وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : «أتدري أين تذهب؟» قلت : الله ورسوله أعلم ، قال صلىاللهعليهوسلم : «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد ، فلا يقبل منها؟ وتستأذن فلا يؤذن لها ، ويقال لها ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال في قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) قال : إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم ، حتى إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت يؤذن لها ، حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها ، فتقول إن المسير بعيد ، وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ما شاء الله أن تحبس ، ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت ، قال : فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا.
وقيل : المراد بمستقرها هو انتهاء سيرها ، وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها ، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض.
[والقول الثاني] أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة ، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور ، وينتهي هذا العالم إلى غايته ، وهذا هو مستقرها الزماني. قال قتادة (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) أي لوقتها ولأجل لا تعدوه ، وقيل : المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها ، ثم تنتقل في مطالع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها ، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) أي لا قرار لها ولا سكون ، بل هي سائرة ليلا ونهارا ، لا تفتر ولا تقف ، كما قال تبارك وتعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) أي الذي لا يخالف ولا يمانع (الْعَلِيمِ) بجميع الحركات والسكنات ، وقد قدر ذلك ووقته على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس ، كما قال عزوجل : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام : ٩٦] وهكذا ختم آية حم السجدة بقوله تعالى : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت : ١٢].
ثم قال جل وعلا : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) أي جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور ، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار ، كما قال عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) [البقرة : ١٨٩]. وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس : ٥] الآية ، وقال تبارك وتعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ