رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) [الإسراء : ١٢] فجعل الشمس لها ضوء يخصها ، والقمر له نور يخصه ، وفاوت بين سير هذه وهذا ، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد ، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء ، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل ، ثم يطول الليل ويقصر النهار ، وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري.
وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور ، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة ، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة ، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم. قال ابن عباس رضي الله عنهما : وهو أصل العذق.
وقال مجاهد : العرجون القديم أي العذق اليابس يعني ابن عباس رضي الله عنهما أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى ، وكذا قال غيرهما ، ثم بعد هذا يبديه الله تعالى جديدا أول الشهر الآخر ، والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر ، فيسمون الثلاث الأول غرر ، واللواتي بعدها نقل واللواتي بعدها تسع ، لأن أخراهن التاسعة واللواتي بعهدها عشر ، لأن أولاهن العشرة ، واللواتي بعدها البيض ، لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن ، واللواتي بعدهن درع جمع درعاء ، لأن أولهن أسود لتأخر القمر في أولهن منه ، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود ، وبعدهن ثلاث ظلم ، ثم ثلاث حنادس ، وثلاث دآدئ ، وثلاث محاق لانمحاق القمر أو الشهر فيهن. وكان أبو عبيدة رضي الله عنه ينكر التسع والعشر. كذا قال في كتاب غريب المصنف.
وقوله تبارك وتعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال مجاهد : لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه ، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا ، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا ، وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال : ذلك ليلة الهلال. وروى ابن أبي حاتم هاهنا عن عبد الله بن المبارك أنه قال : إن للريح جناحا ، وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء. وقال الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح : لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا. وقال عكرمة في قوله عزوجل : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) يعني أن لكل منهما سلطانا! فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.
وقوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار ، فسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل. وقال الضحاك : لا يذهب الليل من هاهنا حتى يجيء النهار من هاهنا ، وأومأ بيده إلى المشرق. وقال مجاهد (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) يطلبان حثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر ، والمعنى في هذا أنه لا فترة بين الليل