والصلاة فيه كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم لذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد «إن المساجد لم تبن لهذا ، إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها» ثم أمر بسجل من ماء فأهريق على بوله (١) ، وفي الحديث الثاني «جنبوا مساجدكم صبيانكم» (٢) وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى صبيانا يلعبون في المسجد ضربهم بالمخفقة وهي الدرة ، وكان يعد المسجد بعد العشاء فلا يترك فيه أحدا «ومجانينكم» يعني لأجل ضعف عقولهم وسخر الناس بهم فيؤدي إلى اللعب فيها ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ونحو ذلك «وبيعكم وشراءكم» كما تقدم «وخصوماتكم» يعني التحاكم والحكم فيه ، ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد بل يكون في موضع غيره لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والعياط الذي لا يناسبه ، ولهذا قال بعده «ورفع أصواتكم».
وقال البخاري (٣) : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن قال : حدثني يزيد بن حفصة عن السائب بن يزيد الكندي قال : كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال : اذهب فائتني بهذين فجئته بهما فقال من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف. قال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال النسائي : حدثنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال : أتدري أين أنت؟ وهذا أيضا صحيح. وقوله «وإقامة حدودكم وسل سيوفكم» تقدما. وقوله «واتخذوا على أبوابها المطاهر» يعني المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء الحاجة. وقد كانت قريبا من مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم آبار يستقون منها فيشربون ويتطهرون ويتوضؤون وغير ذلك.
وقوله «وجمروها في الجمع» يعني بخروها في أيام الجمع لكثرة اجتماع الناس يومئذ ، وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كل جمعة. إسناده حسن لا بأس به والله أعلم ، وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «صلاة الرجل في
__________________
(١) أخرجه البخاري في الوضوء باب ٥٧ ، ٥٨ ، والأدب باب ٣٥ ، ٨٠ ، ومسلم في الطهارة حديث ٩٨ ، ١٠٠ ، وأبو داود في الطهارة باب ١٣٦ ، والترمذي في الطهارة باب ١١٢ ، والنسائي في الطهارة باب ٤٤ ، وابن ماجة في الطهارة باب ٧٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٩ ، ٢٨٢ ، ٥٠٣ ، ٣ / ١١٠ ، ١١٤.
(٢) أخرجه ابن ماجة في المساجد باب ٥.
(٣) كتاب الصلاة باب ٨٣.