صباحا» (١). وقيل المراد (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ، وليس المراد الضرب المبرح.
قال عامر الشعبي (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) قال : رحمة في شدة الضرب. وقال عطاء : ضرب ليس بالمبرح. وقال سعيد بن أبي عروبة عن حماد بن أبي سليمان : يجلد القاذف وعليه ثيابه والزاني تخلع ثيابه ، ثم تلا (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) فقلت هذا في الحكم؟ قال : هذا في الحكم ، والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمرو عن ابن أبي مليكة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها ، قال نافع : أراه قال وظهرها ، قال قلت (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) قال : يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجعل جلدها في رأسها ، وقد أوجعت حين ضربت (٢). وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى ، وشددوا عليه الضرب ولكن ليس مبرحا ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك ، وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال : يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها : فقال «ولك في ذلك أجر» (٣).
وقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس ، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما ، فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا. قال الحسن البصري في قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني علانية : ثم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الطائفة الرجل فما فوقه. وقال مجاهد : الطائفة رجل إلى ألف ، وكذا قال عكرمة ، ولهذا قال أحمد : إن الطائفة تصدق على واحد ، وقال عطاء بن أبي رباح : اثنان ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وكذا قال سعيد بن جبير (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال : يعني رجلين فصاعدا ، وقال الزهري : ثلاثة نفر فصاعدا.
وقال عبد الرزاق : حدثني ابن وهب عن الإمام مالك في قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال : الطائفة أربعة نفر فصاعدا ، لأنه لا يكفي شهادة في الزنا دون أربعة شهداء فصاعدا ، وبه قال الشافعي. وقال ربيعة : خمسة. وقال الحسن البصري : عشرة وقال قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة
__________________
(١) أخرجه النسائي في السارق باب ٧ ، وابن ماجة في الحدود باب ٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٦٢ ، ٤٠٢.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩ / ٢٥٦.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٣٦ ، ٥ / ٣٤.