والسنن من غير وجه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال «أنت ومالك لأبيك» (١).
وقوله (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ ـ إلى قوله ـ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) هذا ظاهر ، وقد يستدل به من يوجب نفقة الأقارب بعضهم على بعض ، كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما ، وأما قوله (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) فقال سعيد بن جبير والسدي : هو خادم الرجل من عبد وقهرمان ، فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف. وقال الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان المسلمون يذهبون في النفير مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم ، ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه ، فكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا أن نأكل ، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم ، وإنما نحن أمناء ، فأنزل الله (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ).
وقوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ) أي بيوت أصدقائكم وأصحابكم ، فلا جناح عليكم في الأكل منها إذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك. وقال قتادة : إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه. وقوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية : وذلك لما أنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام هو أفضل من الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ، فأنزل الله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ـ إلى قوله ـ أَوْ صَدِيقِكُمْ).
وكانوا أيضا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره ، فرخص الله لهم في ذلك ، فقال (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) وقال قتادة : كان هذا الحي من بني كنانة يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في الجاهلية ، حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فأنزل الله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل.
كما رواه الإمام أحمد (٢) : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنا نأكل ولا نشبع. قال «لعلكم تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه» (٣) ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث الوليد بن مسلم به ، وقد روى ابن ماجة أيضا من حديث عمرو بن دينار القهرماني
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في التجارات باب ٦٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٧٩ ، ٢٠٤ ، ٢١٤.
(٢) المسند ٣ / ٥٠١.
(٣) أخرجه أبو داود في الأطعمة باب ١٤ ، وابن ماجة في الأطعمة باب ١٧.