جهنم. قال الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير (السعير) واد من قيح جهنم. وقوله (إِذا رَأَتْهُمْ) أي جهنم (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يعني في مقام المحشر. قال السدي : من مسيرة مائة عام (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) أي حنقا عليهم ، كما قال تعالى : (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي يكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا إدريس بن حاتم بن الأحنف الواسطي أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي عن أصبغ بن زيد عن خالد بن كثير ، عن خالد بن دريك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قال : قال رسول الله : «من يقل علي ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ـ وفي رواية ـ فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا» قيل: يا رسول الله وهل لها من عينين؟ قال «أما سمعتم الله يقول (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) الآية ، ورواه ابن جرير (١) عن محمد بن خداش عن محمد بن يزيد الواسطي به.
وقال أيضا : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن عيسى بن سليم عن أبي وائل قال : خرجنا مع عبد الله يعني ابن مسعود ومعنا الربيع بن خيثم ، فمروا على حداد ، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار ، ونظر الربيع بن خيثم إليها ، فتمايل الربيع ليسقط ، فمر عبد الله على أتون على شاطئ الفرات ، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه ، قرأ هذه الآية (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) فصعق ، يعني الربيع ، وحملوه إلى أهل بيته ، فرابطه عبد الله إلى الظهر ، فلم يفق رضي الله عنه.
وحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف ، هكذا رواه ابن أبي حاتم بأسناده مختصرا ، وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير (٢) : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن : ما لك؟ قالت : إنه يستجير مني ، فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول : يا رب ما كان هذا الظن بك ، فيقول : فما كان ظنك؟ فيقول : أن تسعني رحمتك ، فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف ، وهذا إسناد صحيح.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله
__________________
(١) تفسير الطبري ٩ / ٣٧٠.
(٢) تفسير الطبري ٩ / ٣٧٠.