ما نالوا ، وصاروا إلى ما صاروا إليه ، بخلاف أهل النار فإنهم ليس لهم عمل واحد يقتضي دخول الجنة لهم والنجاة من النار ، فنبه تعالى بحال السعداء على حال الأشقياء ، وأنه لا خير عندهم بالكلية ، فقال تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) قال الضحاك عن ابن عباس : إنما هي ضحوة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين.
وقال سعيد بن جبير : يفرغ الله من الحساب نصف النهار ، فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، قال الله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً). وقال عكرمة : إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وهي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ، فينصرف أهل النار إلى النار ، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة فكانت قيلولتهم في الجنة ، وأطعموا كبد حوت فأشبعهم كلهم ، وذلك قوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) وقال سفيان عن ميسرة عن المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ، ثم قرأ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) وقرأ (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصافات : ٦٨].
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) قال : قالوا في الغرف من الجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة ، وذلك الحساب اليسير ، وهو مثل قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [الانشقاق : ٨]. وقال قتادة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) مأوى ومنزلا.
وقال قتادة : وحدث صفوان بن محرز أنه قال : يجاء برجلين يوم القيامة أحدهما كان ملكا في الدنيا إلى الحمرة والبياض ، فيحاسب فإذا عبد لم يعمل خيرا قط فيؤمر به إلى النار ، والآخر كان صاحب كساء في الدنيا فيحاسب فيقول : يا رب ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به ، فيقول الله : صدق عبدي فأرسلوه فيؤمر به إلى الجنة ، ثم يتركان ما شاء الله ، ثم يدعى صاحب النار فإذا هو مثل الحممة السوداء ، فيقال له : كيف وجدت؟ فيقول : شر مقيل ، فيقال له : عد ، ثم يدعى بصاحب الجنة فإذا هو مثل القمر ليلة البدر ، فيقال له : كيف وجدت؟ فيقول : رب خير مقيل ، فيقال له : عد. رواها ابن أبي حاتم كلها.
وقال ابن جرير (١) : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب ، أنبأنا عمرو بن الحارث أن سعيدا الصواف حدثه أنه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب
__________________
(١) تفسير الطبري ٩ / ٣٨٢.