المعنى النفسي ، فإنهم متفقون جميعا على أن هذا الذي جاء به الرسول من الألفاظ المقروءة المتلوة انما هو من وضع المخلوق ، وليس بكلام مسموع من الله جل شأنه ثم اختلفوا فيمن وضعه ، فقالت طائفة أن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو الذي أنشأه وألفه تعبيرا عن القرآن الذي هو المعنى النفسي القديم فالوحي ينزل عليه بالمعاني ، ثم هو يعبر عنها بألفاظ من عنده ، وأبت طائفة أخرى هذا القول لأنه يضاهى قول الكفار في القرآن : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر: ٢٥] وقولهم : (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) [الفرقان : ٤] وذهبوا الى أن جبريل عليهالسلام هو الذي أنشأ الفاظ القرآن بأمر من الله عزوجل ، ثم نزل بها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
* * *
وتكايست أخرى وقالت أنه |
|
نقل من اللوح الرفيع الشأن |
فاللوح مبدؤه ورب اللوح قد |
|
أنشأه خلقا فيه ذا حدثان |
هذي مقالات لهم فانظر ترى |
|
في كتبهم يا من له عينان |
لكن أهل الحق قالوا انما |
|
جبريل بلغه عن الرحمن |
القاه مسموعا له من ربه |
|
للصادق المصدوق بالبرهان |
الشرح : وتكايست طائفة ثالثة وقالت لا يجوز القول بأن محمدا أو جبريل عليهما الصلاة والسلام هو الذي الف القرآن وأنشأه ، فان ذلك مما يقوي كلام الطاعنين فيه ، والقائلين بأنه مختلق مفتري ، وليس كلام الله بل الواجب أن نقول أن الله عزوجل قد أنشأ القرآن وخلقه كتابة في اللوح المحفوظ ، كم قال تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢١ ، ٢٢] وكما قال : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف : ٤] ثم أن جبريل عليهالسلام يأخذه من اللوح وينزل به على النبي صلىاللهعليهوسلم ويتلوه عليه ، فاللوح هو مبدأ انزاله ، وليس منزلا من عند الله جل شأنه ورب اللوح هو الذي أنشأه في اللوح مخلوقا ذا حدثان أي حدوث. وهذه المقالات الثلاث في القرآن المسمى عندهم باللفظي المخلوق موجودة في كتب هذه الطائفة المسماة بالأشعرية يراها ويطالعها كل من له عينان.