عند الباء لا مسبوقة بها ، فإنه لا نسبة بين المقترنين بالتقدم والتأخر ، وإنما يكون الترتيب بن الحروف وتعاقبها عند السمع با لآذان ، إذا لا تطيق الاسماع إدراك الحروف على سبيل الاجتماع ، وهذا الترتيب الواقع بين الحروف في الأسماع لا يعني أن الاقتران غير لازم لها ، بل هو ثابت لهذه الحروف لذواتها ، وما بالذات لا يعقل تخلفه ، ولا شك أن هذا الكلام تخليط وهذيان يدعو إلى الضحك من هؤلاء المجانين ، فإن اللفظ إذا كان مؤلفا من حرفين مثلا ، فإنه لا يمكن النطق بالثاني منها قبل النطق بالأول ، ولا يمكن النطق بهما مجتمعين بحال من الأحوال فلا وجود للحروف أصلا إلا على سبيل الترتيب والتعاقب بمعنى أنها توجد شيئا بعد شيء ، وعلى هذا النحو تصل إلى الآذان فتسمعها وتميزها ، وإلا فلو جاز أن توجد مجتمعة فما الذي يميز لفظا عن لفظ إذا كانت حروفها واحدة ولكنها مختلفة في الترتيب كعذل ولذع وسبق وقبس مثلا.
* * *
لكن زاغونيهم قد قال ان |
|
ذواتها ووجودها غيران |
فترتبت بوجودها لا ذاتها |
|
لا للعقول وزيغة الأذهان |
ليس الوجود سوى حقيقتها لذي ال |
|
أذهان بل في هذه الأعيان |
لكن إذا أخذ الحقيقة خارجا |
|
ووجودها ذهنا فمختلفان |
والعكس أيضا مثل ذا فإذا هما |
|
اتحدا اعتبارا لم يكن شيئا |
وبذا يزول جميع إشكالاتهم |
|
في ذاته ووجوده الرحمن |
الشرح : قد عرفت ما يلزم مذهب هؤلاء الاقترانية من الفساد ومخالفة الواقع المحسوس بزعمهم أن الحروف قديمة وأنها مجتمعة في الأزل على سبيل الاقتران بلا تعاقب ولا ترتيب بينها. ولكن أحدهم وهو ابن الزاغوني يريد أن يتكايس ويدعي الفلسفة فيفرق بين ذوات هذه الحروف ، يعني حقائقها الثابتة التي هي بها هي وبين وجودها ، فيقول أنها مترتبة بحسب وجودها لا بحسب ذواتها وهذه مغالطة مكشوفة ، فإن ذات الشيء وحقيقته لا بد أن تكون موجودة ، أما