وقال عندهم ولا هو قائل |
|
والقول لم يسمع من الديان |
فالقول مفعول لديهم قائم |
|
بالغير كالأعراض والأكوان |
هذي مقالة كل جهمي وهم |
|
فيها الشيوخ معلم الصبيان |
الشرح : بعد أن فرغ المؤلف من ذكر مذاهب القائلين بأن القرآن صفة قديمة قائمة بذاته تعالى لا تعلق لها بمشيئته وقدرته بين أن الأولى منهما وهي الكلابية والأشعرية ادعت ذلك في المعنى فقط ، والأخرى ادعته في اللفظ والمعنى جميعا ، وهم الاقترانية ، أخذ في بيان مذاهب القائلين بأن القرآن متعلق بمشيئته تعالى وارادته ، فذكر أنهما طائفتان أيضا : احداهما وهم الجهمية ومتأخرو المعتزلة قالوا بأن القرآن مخلوق خلقه الله كما خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات ومعنى كونه تعالى متكلما عندهم إنه خالق للكلام وإنما يضاف إليه القرآن فيقال كلام الله على سبيل التشريف ، كما يقال بيت الله ، وناقة الله ، وهذه سفسطة ظاهرة ، فإنه ولا شك فيه أنه لا يعقل من المتكلم إلا من قام به الكلام ، فطن الكلام صفة المتكلم ، ولا يقال لمن أوجد الكلام في غيره أنه هو المتكلم بذلك الكلام ، بل يكون الكلام صفة للمحل الذي قام به وصار عرضا له.
وأما قولهم ان اضافة الكلام إلى الله إنما هي اضافة تشريف ، كاضافة البيت والناقة فغلط صريح ، بل هي اضافة صفة إلى موصوف ، لأن الاضافة نوعان : أحدهما ما يضيفه الله إلى نفسه من الأعيان المخلوقة ، كالبيت والناقة ونحوهما ، فهذه الإضافة تفيد تشريف المضاف والتنويه بما امتاز به من الصفات العظيمة ، والثاني ما يضيفه الله إلى نفسه من المعاني والصفات التي لا تقوم بنفسها ، كعلم الله وقدرته وارادته وكلامه الخ.
فهذه الإضافة تقتضي قيام هذه المعاني بالمضاف إليه واتصافه بها ، وهذا فرق بديهي ، ويلزم على مذهب هؤلاء أن الله لم يتصف بالقول أبدا ، فلا هو قال في الماضي ، ولا هو قائل الآن أو مستقبلا ، وأنه لم يسمع منه قول ، إذ كان القول عندهم مفعوله الذي خلقه في الغير على أنه عرض له كسائر الأعراض القائمة