عمدتكم في الاستدلال وأهملتم لأجله كل ما جاء بالقرآن الكريم من أنواع الادلة بحجة أنها لا تفيد ما يفيده هذا الدليل من قطع ويقين ، فهل يعقل أن يكون دليلكم ـ ولم يرد له في كتاب الله ذكر ولا وقعت إليه اشارة مع كثرة ما أورد من أدلة ـ هو أصل اليقين والإيمان وسواه من الادلة ليس بموصل لهذا المطلوب ولا محصل للايمان وأن الواجب هو معرفة الله بهذا الدليل الفاسد ، وأن من لم يحط به علما لم ينج من كفران ولم تحصل له حقيقة الايمان.
* * *
والله ثم رسوله قد بينا |
|
طرق الهدى في غاية التبيان |
فلأي شيء أعرضا عنه ولم |
|
نسمعه في أثر ولا قرآن |
لكن أتانا بعد خير قروننا |
|
بظهور أحداث من الشيطان |
وعلى لسان الجهم جاءوا حزبه |
|
من كل صاحب بدعة حيران |
ولذلك أشتد النكير عليهم |
|
من سائر العلماء في البلدان |
صاحوا بهم من كل قطر بل رموا |
|
في أثرهم بثواقب الشهبان |
عرفوا الذي يفضي إليه قولهم |
|
ودليلهم بحقيقة العرفان |
وأخو الجهالة في خفارة جهله |
|
والجهل قد ينجي من الكفران |
الشرح : يعني أن الله ورسوله قد بينا جميع الطرق المعرفة بالله غاية البيان ، فإذا كان دليل هؤلاء حقا فلما ذا لم يذكره الله ولا رسوله ، ولم نسمع عنه لا في قرآن ولا أثر ، ولكنه دليل باطل متهافت ومقدماته على ما فيها من خفاء وبعد ، ليست كلها صحيحة وهو دليل مبتدع متلقى من مبادي الفلسفة اليونانية والوثنية فإن الكلام في الجسم والعرض والجوهر وغيرها لم يظهر إلا بعد ترجمة هذه الفلسفة إلى العربية في عهد المأمون ومن بعده من خلفاء العباسيين ، وكان أول من أحدثه هو الجهم وحزبه من المبتدعة الضلال ولهذا لما اطلع أئمة الحق على حقيقة هذا الدليل وما فيه من تناقض واضطراب أنكروا على أهله غاية الانكار وحذروا منه غاية التحذير لعلمهم بما يفضي إليه من لوازم فاسدة فيها هدم لكل