الأرض كانت ظاهرة لأهلها ، ونشاهد كذلك أن السفول والخفاء متلازمان ، فالشيء كلما زاد سفوله زاد خفاؤه.
* * *
فانظر إلى علو المحيط وأخذه |
|
صفة الظهور وذاك ذو تبيان |
وانظر خفاء المركز الادنى ووصف |
|
السفل فيه وكونه تحتاني |
وظهوره سبحانه بالذات |
|
مثل علوه فهما له صفتان |
لا تجحدنهما جحود الجهم أو |
|
صاف الكمال تكون ذا بهتان |
وظهوره هو مقتض لعلوه |
|
وعلوه لظهوره ببيان |
وكذاك قد دخلت هناك الفاء |
|
للتسبيب مؤذنة بهذا الشأن |
فتأملن تفسير أعلم خلقه |
|
بصفاته من جاء بالقرآن |
إذ قال أنت كذا فليس لضده |
|
أبدا إليك تطرق الاتيان |
الشرح : ومما يدل على التلازم بين الظهور والعلو أن العرش وهو الجسم المحيط بالمخلوقات لما كان فوقها جميعا كان أشدها ظهورا كما أن المركز الادنى وهو الحضيض التحتاني لما كان أسفلها كان أشدها خفاء ، فظهوره سبحانه هو مقتض لعلوه وكذلك العكس فكل منهما صفة ثابتة له على الحقيقة لا يجوز جحدها ، ولا تأويلها بما يصرفها عن حقيقتها بلا دليل ، كما هو دأب الجهمية في تفهيم صفات الكمال عنه سبحانه وحملهم اياها على معان بعيدة متكلفة يعلم كل أحد أنها ليست هي المتبادر من اللفظ عند اطلاقه زاعمين أن قرينة العقل كافية في ذلك الصرف ، فيا لسخافة العقول ، ولما كان الظهور والعلو كما قدمنا كل منهما مقتض للآخر جاءت فاء السببية في كلامه صلىاللهعليهوسلم مؤذنة باستلزام ما قبلها لما بعدها ، فكونه ظاهرا على الأشياء جميعا مستلزم أن لا يكون منها شيء فوقه ، ونفي فوقية شيء عليه مستلزم لاثبات علوه على كل شيء (١).
* * *
__________________
(١) قال ابن القيم : والمقصود أن التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود ، ويجعل له ربا ـ