التعطيل فتقتضي نفس صفات الرب جل وعلا والانطلاق في هذا النفي إلى أبعد حد كما أشار إليه المصنف بقوله (وألق بالأرسان) فإن الأرسان جمع رسن وهو الحبل الذي تقاد به الدابة ليمنعها من الجري والجموح.
فقوله (وألق بالارسان) كناية على الانطلاق في النفى والايغال فيه ، فينفي فوقية الرب على عرشه وعلوه على خلقه ، كما ينفي علمه الشامل المحيط بأحوال عباده في سرهم وجهرهم وينفي سمعه الذي وسع أصواتهم مهما خافتوا بها وينفي رؤيته لهم رؤية لا يحول دونها حجاب ولا ظلمة ، ولا يؤثر فيها بعد ولا يغنى منها تخف واستتار ، وينفي عدله الذي قامت به السموات والأرض واحسانه الذي وسع جميع خلقه ، بل لو حقق الأمر على هذا الجهمي الخبيث لوجد أنه لا يعبد الا عدما لا حقيقة له في عالم الأعيان ، بل انما يفرض في الأذهان ، ولا يؤمن بأن فوق العرش إلها متكلما على الحقيقة بأوامر ونواه ، ومتكلما بالقرآن والتوراة والإنجيل بل يقول ان معنى كونه متكلما أنه خالق للكلام ، ولا يؤمن كذلك بأن كلام العباد يصعد إليه ، ولا أن أعمالهم ترفع عنده ، كما قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠].
وكيف يؤمن بذلك وهو لا يقر بوجوده فوق عرشه ، بل يرى أن حظ العرش منه سبحانه كحظ أسفل مكان ، وهو الذي عند مركز الأرض المسمى بالحضيض ، وأن نسبته تعالى للعرش كنسبته الى بيته الحرام ، فكما أنه ليس ساكنا في البيت مع اضافته إليه ، فكذلك ليس مستويا على العرش ، بل هو مستول عليهما جميعا بقدرته ، وكلاهما خال من وجوده بذاته فيه.
هذا هو ما أفادته جيم الجهم من تعطيل الواحد الديان حشوا بلا كيل ولا ميزان.
* * *
تالله ما استجمعن عند معطل |
|
جيماتها ولديه من ايمان |
والجهم أصلها جميعا فاغتدت |
|
مقسومة في الناس بالميزان |