الشرح : يصور لنا المؤلف في هذه الأبيات الرائعة مشهدا من مشاهد يوم القيامة حين يجمع الله المتخاصمين فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ، هنالك يظهر الحق ويعلو ويذهب بأصحابه الى الجنة بررة مكرمين ، ويسفل الباطل ويخزي ويذهب بأتباعه الى العذاب المهين ، فيقول سل هذا المعطل الجاحد لصفات رب العالمين ، ما ذا يكون جوابك عند ما تجتمع الفئتان المختصمتان عند الله.
أما احداهما وهي فئة التعطيل والانكار فقد كذبت على ربها وقالت عليه ما لا تعلم ، وعولت في ذلك لا على القرآن والآثار ، بل على ما عندها من زبالات الأذهان والأفكار ، وسمت ذلك دلائل عقلية وقدمتها على النصوص الصريحة من الكتاب والسنة ، وزعمت أنها أولى باسم البرهان من تلك النصوص لأنها يقينية ، وأما النصوص ، فلا تفيد الا غلبة ظن لا يغني في باب الاعتقاد ، ولهذا تراهم اذا تعارض ظاهر النص مع ما يزعمونه قواطع عقلية ، فانهم اما أن يؤولوا النص بما يصرفه عن هذا الظاهر الى معنى آخر يكون موافقا لما حكم به العقل. واما أن يفوضوا في معنى النص فيقولوا لا نعلم المراد به ، وان كنا نعلم ان هذا الظاهر غير مراد.
وكذلك تجيب هذه الفئة الجاحدة ربما يوم القيامة بأنها كانت تقوم عليه بأنه ليس داخل هذا العالم ولا خارجه ، وأن العرش خلو منه ، فهو ليس فوق العرش بذاته ، زعما منهم أنه لا يجوز عليه الحلول في المكان ، لأن ذلك عندهم من خصائص الأجسام ، وبأنه ليس هو المتكلم بالقرآن ، اذ لا يجوز عليه الحرف والصوت ، بل انما هو قول رسولهصلىاللهعليهوسلم ، وانما نسبه سبحانه الى نفسه تشريفا له وتعظيما لقارئه ، وبأنه لا ينزل كل ليلة الى سماء الدنيا ، كما صرح الحديث الصحيح بذلك ، لأن النزول من صفات الأجسام ، وبأنه ليس له وجه ولا سمع ولا بصر ، ومن باب أولى لا يكون له يدان ، وبأن رؤيته بالأبصار مستحيلة في هذه الدنيا وفي الآخرة ، اذ لا جهة له ، وما لا يكون في جهة لا تمكن رؤيته ، وبأنه ليس لأفعاله حكمة تفعل من أجلها ، ويخصص كل فعل منها بزمانه