الشرح : يقول هذا الأحمق لصاحبه : إذا كان الناس قد افترقوا في ربهم إلى هذه المذاهب الثلاثة ، فهم بين الاثبات والتعطيل والتناقض باثبات البعض ونفي البعض ، وكان العقل لا يطمئن إلى شيء منها ، إذ الاثبات تجسيم والتعطيل جحد وانكار لصريح النصوص ، واثبات بعضها دون البعض الآخر تناقض ، فما عليك إلا أن تطيب نفسا بانكارها جميعا ، وأن تقنعها بهذا الإنكار ، فإذا أبت نفسك عليك ذلك ولم تجبك إليه ، فتخير من هذه المذاهب أبعدها عن التناقض وأقربها إلى النصوص وهو مذهب أهل الإثبات ، حتى لا تعيش متناقضا ذا وجهين أما إذا سمحت لنفسك أن تكون مع المعطلة النفاة أو مع الملفقة المتحذلقين فيجب عليك في كلتا الحالتين أن تقيم الدليل القاطع على أن ما نفيته مغاير لما أثبته ، وأن هناك فرقا بينهما ، فإن الباب واحد في النفي والإثبات عند العقل وفي قانون المنطق فمتى أقررت بإثبات البعض لزمك هذا الإثبات في الكل ، وإلا فيجب أن تأتي بالفارق الذي اقتضى التغاير في الحكم ، أما أن تنفي شيئا وتثبت مثله فذلك هو عين التجسيم والتناقض ، فإن من نفى صفة مثلا عن الله خوف التشبيه ثم أثبت أخرى تماثلها في اتصاف المخلوق بكل منهما ، فقد وقع في التشبيه وناقض نفسه.
فيقال للمعطل الجهمي مثلا : أنت تنفي عن الله الأسماء والصفات فرارا من التشبيه مع أنك تثبت له الذات ، وتقول إنه شيء وموجود ، والمخلوق أيضا له ذات ويوصف بالشيئية والوجود ، فإن كان مجرد الاشتراك في الاسم أو الصفة موجبا للتشبيه ، فكان يجب أن تنفي ما أثبته أيضا ، وإن كان اثبات ما أثبته لا يقتضي التشبيه والمماثلة فقل هذا أيضا فيما نفيته ، اذ لا فارق أصلا.
وكذلك يقال لمن يثبت الأسماء دون الصفات كالمعتزلة ، أو يثبت بعض الصفات دون بعض كالأشاعرة ، إذا كنتم تثبتون له سبحانه الأسماء دون الصفات أو بعض الصفات دون بعض مع أن كلا منهما مما يشاركه فيه المخلوق ، فإن كان مجرد الاشتراك عندكم في الاسم أو في الصفة موجبا للتشبيه فيجب أن تطردوا الباب على وتيرة واحدة في النفي ، وان كان غير موجب لذلك فقولوا