وقال أهل الحق : إنّه جسم ، ثمّ اختلفوا فقال قوم منهم : هو هذا الهيكل بجملته ، وقال آخرون : هو الأجزاء الأصليّة من هذا البدن التي لا يتغيّر بصغر ولا كبر ولا هزال ولا سمن ، وهذا القول أقرب إلى الصواب. والدليل عليه حسن توجّه المدح والذمّ إلى هذا الهيكل ، فلو كان الفعل من غيره لكان المدح والذمّ مصروفين إليه ، لا إلى هذا الشخص.
ثمّ لا جائز أن يكون هو الجملة بأجمعها لوجهين :
أحدهما : أنّ البدن من شأنه التحلّل والاستخلاف ، فإنّ الأجزاء الغذائيّة قبل تمام النشأ (١٢٣) لزيادة فيه ، وبعد تمام النشأ إنّما تزاد (١٢٤) لتقوم عوضا عن ما يحلّل ، وهي أبدا متبدّلة ، والإنسان باق ، والمتبدّل مغاير لما لا يتبدّل بالضرورة.
الوجه الثاني : قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٢٥).
ويستحيل اجتماع الحياة والقتل على الشيء الواحد في الوقت الواحد ، فلا بدّ أن يكون الحيّ المرزوق في الجنّة مغاير للمشاهد المقتول في الدنيا ، فتعيّن أن الإنسان ليس جملة هذا البدن ، بل أجزاء أصليّة فيه ، وهي المحكوم بانتقالها إلى الجنّة.
احتجّ الفلاسفة بوجوه ، أظهرها أن قالوا : العلم لا ينقسم ، فالعالم
__________________
(١٢٣) النشأ هو الزيادة في أطراف الجسم بالسويّة على النسق الطبيعي. كذا في هامش الأصل.
(١٢٤) كذا يقرأ.
(١٢٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩.