وهذا لأنّ في الثواب المنقطع مزيّة ليست موجودة في التفضّل ، وهو كونه مستحقّا ، أو كون التعظيم مقارنا له. لا يقال : إنّ الاستحقاق لا يصلح فارقا في من لا يترفّع المكلّف عن تفضّله. لأنّا نقول : المزيّة موجودة على كلا التقديرين ، فإنّ صدورهما من فاعل واحد يتفاوت. إذ الفرق بين أن يعطى الملك غيره مالا مستحقّا وبين أن يتطوّع بالعطيّة معلوم.
والجواب عن الثاني : سلّمنا أنّ استحقاق المدح دائم ، لكن لا نسلّم أنّه يلزم في الثواب كذلك ، فإنّه قياس من غير جامع ، ولئن أشاروا إلى جامع طالبناهم بالدلالة على علّيته على وجوب تعدية الحكم عن محلّ الوفاق.
وأمّا العاصي فإنّه يستحقّ بعصيانه الذمّ (١٤٢) ، وقيل : يعلم استحقاقه للعقاب على ذلك عقلا. الحقّ أن العقل لا يدلّ على ذلك خلافا للمعتزلة. لنا أنّ الذمّ من لوازم فعل القبيح اختيارا ، والعقاب ضرر منفيّ بالأصل (١٤٣) فلا يثبت إلّا تبعا لوجود الدلالة.
احتجّ المعتزلة بوجوه ، منها أنّ الذمّ مستحقّ بفعل القبيح ، والإخلال بالواجب ، فيجب أن يستحقّ به الضرر ، لأنّ التكليف به دفعا لضرر الذمّ غير ثابت ، فتعيّن التكليف به دفعا لضرر غير الذمّ ، إذ لو لم يكن فيه دفع ضرر غير الذمّ لكان عبثا.
ومنها أنّ العقاب لطف ، واللطف واجب على الله ، أمّا الاولى فلأنّ المكلّف عند علمه باستحقاق العقاب يكون أقرب إلى ترك المعصية وفعل الواجب ضرورة ، ولا معنى للطف إلّا ذلك ، وأمّا الثانية فقد مرّت في أبواب
__________________
(١٤٢) وأمّا العقاب ودوامه فيحتاجان إلى دليل سمعي.
(١٤٣) التمسّك بالأصل في مثل هذه المسائل فيه ما فيه.