العدل.
والجواب عن الأوّل : لم لا يجوز أن يكون التكليف به دفعا للمفسدة الناشئة من فعله ، أو لحصول الثواب في مقابلة الامتثال ، وذلك يكفي في حسن التكليف ، فمن أين لهم أنّه لا بدّ من أمر وراء ذلك ، لا بدّ لهذا من دليل.
والجواب عن الثاني : لم لا يجوز الاقتصار على الذمّ وتجويز العقاب ، فإنّ تجويز الضرر قد يكون زاجرا ، كما يكون الضرر المتيقّن.
وإذا عرفت أنّ استحقاق العقاب لا يعرف عقلا ، فدوامه وانقطاعه أيضا كذلك. والمرجع في العلم باستحقاق العقاب ودوام ما يدوم منه والمنقطع ، إنّما هو مستفاد من الشرع ، وقد أجمع المسلمون على دوام عقاب الكافر ، واختلفوا في عقاب المؤمن الفاسق ، وسيأتي تقرير ذلك بعد تقديم ما يجب تقديمه أمام الخوض فيه إن شاء الله.
ويصحّ في العقل اجتماع استحقاق الثواب والعقاب ، ولا يبطل أحدهما الآخر خلافا للمعتزلة ، ويدلّ على ذلك المعقول والمنقول. أمّا المعقول ، فلأنّهما لو لم يصحّ أن يجتمعا لكان ذلك لمنافاة بينهما ، لكنّ المنافاة منتفية ، فالاجتماع ممكن. أمّا الملازمة فلأنّ بتقدير عدم المنافاة لا يكون لامتناع الاجتماع سبب معقول ، وأمّا أنّ المنافاة غير ثابتة ، فلأنّ المنافاة لازمة عن التضادّ وما يجري مجرى التضادّ ، ولا تضادّ بين الطاعة والمعصية ، ولا بين ثبوت مستحقّهما ، وإذا بطل التنافي لزم إمكان الاجتماع.
وأمّا المنقول فقوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (١٤٤) وقوله : (وَما
__________________
(١٤٤) سورة النساء ، الآية : ١٢٣.