مادّته متّصفة بالوجود ، وهذا أقرب إلى الاستعمال ، فإنّه يقال : فنى زاد القوم بمعنى تناوله ، وفنى العالم بمعنى الموت ، إذ الفناء الذي يشيرون إليه غير متحقّق الآن ، ولأنّ الفناء لفظة مستعملة في عرف اللغة ، فيكون موضوعها معروفا بينهم ، والذي يشير إليه المتكلّمون من معنى الفناء غير معقول (١٨٨) لأهل اللغة ، فيجب إطلاق ألفاظ القرآن على الموضوع اللغوي.
وعن الآية الثانية : لم لا يجوز أن يكون الخلق إشارة إلى الأشياء المركّبة من الأجزاء البسيطة ، فكما كان خلقها عبارة عن تأليف أجزائها ، فليكن إعادتها كذلك ، لا يقال الآية عامّة في كل مخلوق ، فيجب حملها على البسيط والمركّب ، لأنّا نمنع العموم ، إذ لفظة «خلق» نكرة في سياق الإثبات (١٨٩) ، فهي مطلقة ، والمطلق يصدق بالجزء كما يصدق بالكلّ.
وعن الثالثة : أنّ الهلاك كما يستعمل في العدم ، يستعمل في الموت ، وفي بطلان منفعة الشيء ، وخروجه عن تأليفه وتركيبه ، يدلّ على ذلك قوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (١٩٠) وقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) (١٩١) لم يرد بذلك العدم ، إذ لو عدمت الأجزاء لكان بوجود الفناء الذي هو ضدّها ، لكن كان يلزم من ذلك عدم الجواهر أجمع ، ولم يحصل ذلك ، فعلم أنّ الإخبار بالهلاك حيث ذكرنا إشارة إلى الموت لا إلى عدم الأجزاء. ولأنّ الأجزاء على رأي أبي هاشم ثابتة مع كونها معدومة وموصوفة بكونها شيئا ، فلو كان الهلاك عبارة
__________________
(١٨٨) أي غير متصوّر لهم.
(١٨٩) والنكرة في سياق النفي تفيد العموم لا في سياق الإثبات.
(١٩٠) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.
(١٩١) سورة القصص ، الآية : ٥٨.