سبحانه قد ملأ الأسماع وشحن آي (٤٧) القرآن بالأمر بالجهاد للأعداء والخروج إليهم وإعداد السلاح والقوّة ورباط الخيل. (٤٨) أيرى ذلك كلّه للمناظرة؟
ثمّ أيّ ذنب أعظم من أنّ الله يأمر المسلمين كافّة بالنفور (٤٩) إلى حرب أعداء الإسلام والخروج إليهم فيجرّد كلّ مسلم سيفه ويبسط يده ضربا وطعنا وإثخانا في العدوّ متقرّبا إلى الله سبحانه ، ويعذر مع ذلك من تارة لا يحضر واخرى يحضر منفكّا عن المنابذة (٥٠) مقتصرا على المشاهدة ، ثمّ لا يكتفي بعذره حتّى يجعله من الفضلاء في الإسلام المقدّمين في الايتمام. أترى كان النبيّ ـ عليهالسلام ـ في مواطن الحرب يسلّط رجاله على مجالدة الأعداء ويحضر لهذا العارف مناظرين يقوى بعلمه على جدالهم ودفع حجّتهم؟ هذا من أقبح ما يلتزم به.
ثمّ إنّا نقول : لو سلّمنا لهم أنّ المناظرة جهاد بقول مطلق لكنّا مطالبون بصور المناظرات التي جرت من هذا الفاضل ، ومواضع احتجاجاته في أبواب التوحيد والعدل وتحقّق النبوّة والمعاد.
أين هذه الأقوال التي قطع بها أوقاته وردّ بها أهل الزيغ إلى محجّة (٥١)
__________________
(٤٧) جمع آية.
(٤٨) إشارة إلى هذه الآية : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ...) سورة الأنفال ، الآية : ٦٠.
(٤٩) هنا كلمة نحتمل كونها : «النفور» كما أثبتناها.
(٥٠) نابذ القوم الحرب : كاشفهم إيّاها وجاهرهم بها.
(٥١) المحجّة بفتح الميم : الطريق.