فلا يقال : أدركت ببصري شيئا ولم أره. وأمّا أنّ كلّ صفة تمدّح بنفيها فإثباتها نقص فإنّه ظاهر ، كما تمدّح بنفي الصاحبة ونفي الشريك.
الوجه الثاني : قوله تعالى في قصّة موسى ـ عليهالسلام ـ جوابا لسؤال الرؤية : (لَنْ تَرانِي) (٥٩) ولن لنفي الأبد. لا يقال : لو كانت الرؤية ممتنعة ، لما سألها موسى ، إذ منصب النبوّة تنافي الجهل بذلك. لأنّا نقول : الظاهر أنّ السؤال لقومه ، وإنّما أضافه إلى نفسه ليكون أبلغ في الإعذار إليهم ، ويبيّن ذلك قوله تعالى حكاية عنهم : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٦٠).
الوجه الثالث : ما روي من الأحاديث الصريحة من نفي الرؤية ، وهي كثيرة في كتب الأحاديث. (٦١)
احتجّ المخالف بالعقل والنقل.
أمّا العقل فقالوا : اشترك الجوهر والسواد في صحّة الرؤية ، ولا بدّ من
__________________
(٥٩) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣.
(٦٠) سورة النساء ، الآية : ١٥٣.
(٦١) راجع التوحيد للشيخ الصدوق ، باب ما جاء في الرؤية. وفيها الأحاديث الصريحة في عدم إمكان رؤية الله. وقال الصدوق في آخر هذا الباب : ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحّتها ، ومن وفّقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الأئمّة ـ عليهمالسلام ـ بالأسانيد الصحيحة وسلّم لهم ، وردّ الأمر في ما اشتبه عليه إليهم ، إذ كان قولهم قول الله ، وأمرهم أمره ، وهم أقرب الخلق إلى الله عزوجل ، وأعلمهم به صلوات الله عليهم أجمعين.