والجواب عن الوجه الرابع : نقول : لم لا يجوز أن يقع مراد الله تعالى؟
قوله «يلزم امتناع مقدور العبد من غير منع» قلنا : لا نسلّم ، لأنّ على تقدير اشتراك قادرين في مقدور يكون وقوع ذلك المقدور بأحد القادرين مبطلا لتعلّق الآخر به.
قوله : «هما متساويان في الاقتدار» قلنا : لا نسلّم إذ نحن نعلم أنّ القويّ في الاقتدار قد يمنع الضعيف من فعله إذا قصد إلى الضدّين.
وقد ذهب النجّار (٧٩) عند ظهور حجج القول بالاختيار إلى القول بالكسب (٨٠) ليحصل ما يكون مستندا لاستحقاق المدح والذمّ ، فزعم أنّ الله يخلق في العبد قدرة وفعلا ، ثمّ العبد يجعل ذلك الفعل طاعة أو معصية.
فيقال له : قدرة العبد إمّا أن تكون مؤثّرة في إيجاد شيء وإمّا أن لا تكون ، ويلزم من الأوّل إسناد ذلك الشيء إلى العبد ، ومن الثاني خلوّ القدرة عن التأثير. وبالجملة أنّ كون الفعل طاعة أو معصية يؤثّر فيهما الوجوه التي
__________________
(٧٩) الحسين بن محمد بن عبد الله النجّار الرازي أبو عبد الله : رأس الفرقة النجاريّة من المعتزلة ، وإليه نسبتها وهم يوافقون أهل السنّة في مسألة القضاء والقدر واكتساب العباد وفي الوعد والوعيد وإمامة أبي بكر ، ويوافقون المعتزلة في نفي الصفات وخلق القرآن وفي الرؤية. راجع الأعلام للزركلي ٢ / ٢٥٣ واللباب في تهذيب الأنساب لابن أثير ٣ / ٢٩٨ والفهرست لابن النديم ص ٢٦٨.
(٨٠) الكسب إيجاد الفعل لاجتلاب منفعة أو دفع مضرّة ، وقد يعرّف بأنّه الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضرّ ، ولا يوصف فعل الله بأنّه كسب ، لكونه منزّها عن جلب نفع أو دفع ضرّ. التعريفات للسيّد الجرجاني الشريف ١٦١ والحدود والحقائق ص ٢٢.