قم صلّ واسترح. قال : انا مستريح ان تركتني. فكان من حق الجاحظ ان يستر على عيب استاذه ومواقفه في المعارف. غير ان الله تعالى اراد انطاقهم بفضائحهم (١).
ومن بدع ثمامة سيئات ، احدها قوله ان المعارف كلها ضرورية / ، وان من لم يضطر الى معرفة الله تعالى فليس مأمورا بها ، وانما خلق للعبرة والسخرة كسائر الحيوان الذي ليس بمكلف.
ولهذا زعم ان عوام اليهود والنصارى والزنادقة يصيرون في القيامة ترابا ، لان من لم يكن مأمورا لم يستحق ثوابا ولا عقابا. فاعتذر الخياط بان قال انه كان يرى تخليد اليهود والنصارى والزنادقة وسائر الكفرة في النار ، غير انه كان لا يوقع هذه الأسماء الا على من خلق الله المعرفة الضرورية ونصحه دينه. ـ والكفرة عندهم العارفون بما امروا به ، ونهوا عنه ، القاصدون الى الكفر بالله تعالى ، والمعصية له. فيقال له : اخبرنا عن عامة الدهرية ، هل عرفوا الله ضرورة؟ وعن عامة اليهود والنصارى ، هل عرفوا صحة نبوة نبينا صلىاللهعليهوسلم بالضرورة؟ فان قالوا : قد / عرفوا كل ما دل عليه العقل والشرع بالضرورة. فان قالوا : قد عرفوا كل ما دل عليه العقل والشرع (٢) ثم جحدوا ذلك لم ينفصل. فمن قال ان الثمامية قد عرفوا فساد قولهم وصحة قول من اكفرهم ضرورة ، فهم الذين يصيرون عند ثمامة ترابا. فلا معنى لانكار الخياط هذا التشنيع على ثمامة (٣).
والبدعة الثانية قوله بان الافعال المتولّدة لا فاعل لها ، وهذا تجرء الى نفي الصانع ، لانه لو صح وجود فعل بلا فاعل ، لم يكن حينئذ في الافعال دلالة على فاعلها ، كما ان من اجاز كتابة لا من كاتب ، وبناء لا من باني ،
__________________
(١) الكلام : «فكان من حق الجاحظ ... بفضائحهم» غير وارد في كتاب «الفرق».
(٢) لا شك في ان هنا تكرارا لهذا الجملة : «قد عرفوا ... العقل والشرع».
(٣) هنا الكلام الخاص بمصير اليهود والنصارى اوسع مما جاء في كتاب «الفرق» (انظر كتاب الفرق ط. بدر ص ١٥٧ ، الكوثري ص ١٠٣ ، عبد الحميد ص ١٧٢ ، مختصر الفرق ص ١١٥).