لو فعل الجور والكذب ما كان العقل موجودا ، وكان واقعا لمجنون او منقوص. ـ فقالوا له : كأنك تقول انه انما يقدر على ظلم المجانين ولا يقدر على ظلم العقلاء. وافترقوا يومئذ على تكفير بعضهم بعضا. ولما انتهت نوبة الاعتزال الى الجبائي وابنه امسكا عن الجواب في هذه المسألة بنعم او لا (١).
وقال اصحاب ابي هاشم : من قال لنا هل يصح وقوع ما يقدر الله عليه من الظلم والكذب؟ ـ قلنا : يصح ذلك ، لانه لو لم يصح وقوعه منه لم يكن قادرا عليه ، لانه لا يقدر على المحال. ـ فان قال : فلم يجز (٢) / وقوع ذلك منه ـ قلنا : لعلمه بقبحه وغناه عنه. ـ فان قال : أرأيت لو وقع منه مقدوره من الظلم والكذب هل كان وقوع ذلك منه دليلا على جهله او حاجته؟ ـ قلنا : محال ذلك. لانا قد علمناه عالما غنيا. ـ فان قال : فهل يجوز ان يقال وقوع ذلك منه الا على جهله او حاجته؟ ـ قيل : لا يوصف بذلك من حيث عرفنا دلالة الظلم على جهل وحاجة بنفي ولا اثبات. ـ قلنا له : كذلك نقول.
فهؤلاء قد اقروا بالعجز عن الجواب في هذه المسألة ، ولو وفقوا للصواب ورجعوا الى قولنا بان الله عزوجل قادر على كل مقدور له لو وقع منه لم يكن جورا ، وحالوا عليه الكذب كما احلناه ليحصلوا من هذه الاكرام.
والحمد لله الذي انقذنا من ضلالاتهم التي صاروا من اجلها حيارى كاليهود والنصارى (٣).
ذكر فرق الضلال من المرجئة
ان المرجئة اليوم ثلاثة اصناف ، صنف منهم قد جمعوا بين الارجاء في الايمان وبين القدر ، على مذاهب المعتزلة ، كغيلان ، وابي شمر واتباعهما. فهؤلاء مرجئة قدرية جامعة بين كفري الأرجاء والقدر.
__________________
(١) الحوار المذكور هنا بين المعتزلة السبعة وارد في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٨٦ ، الكوثري ص ١١٩ ـ ١٢١ ، عبد الحميد ص ١٩٨ ـ ٢٠١).
(٢) في المخطوط : فلم يجوز.
(٣) ما جاء هنا في خاتمة الكلام عن المعتزلة ورد بذات المعنى في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٨٨ ـ ١٨٩ ، الكوثري ص ١٢١ ـ ١٢٢ ، عبد الحميد ص ٢٠٠ ـ ٢٠١).