الالزام متوجه على ابي الهذيل ، لانه يقول ان الكاذب منا انما كان كاذبا لانه فعل الكذب ، ولا يلزمنا على اصلنا ، لان الكاذب عندنا من قام به الكذب ولا من فعله.
ـ ومن فضائحه أيضا قوله بطاعات كثيرة لا يراد بها الله عزوجل ، وانه يجوز ان يطيع الله بانواع كثيرة من الطاعات من لا يعرفه ، فليس على الارض زنديق ولا ملحد الا وهو عنده مطيع لله تعالى من وجوه ، وان عصاه من جهة كفره. ـ وقال اصحابنا ان الطاعة لله قبل معرفته انما يصح في شيء واحد وهو النظر الواجب على العاقل ليتوصل به / الى معرفة ربه عزوجل ، فانه طاعة منه ، لانه مأمور به قبل معرفته بربه تعالى. ولا يصح من احد طاعة لله تعالى في غير ذلك الا بعد ان يعرفه ويقصد به التقرب بها إليه. وكان ابو الهذيل يحتج لبدعته هذه بان يقول ان أوامر الله تعالى بإزائها زواجر ، فلو كان من لا يعرف الله تعالى تاركا لجميع اوامره وجب ان يكون قد صار الى جميع زواجره ، ووجب من هذا ان يكون الدهري نصرانيا يهوديا مجوسيا وثنيا ، وهذه اغلوطة منه. وجوابه عنها ان كل طاعة يضادها معارض متضادة ، وبكل واحد منهما يخرج عن الطاعة والايمان واذا دخل في نوع من الكفر خرج عن اضداده من انواع الكفر ، كما يخرج به عن الايمان. وهذا واضح في نفسه.
ـ ومن فضائحه أيضا قوله بان علم الله هو الله / وقدرته هي هو (١) ، ويلزمه على هذه البدعة امران : احدهما انه يوجب عليه ان يكون علمه هو قدرته لرجوعهما الى ذات واحدة ؛ ولو كان علمه قدرته لوجب ان يكون معلوماته مقدورات له ، فيكون ذاته مقدورا له ، كما هو معلوم له. وهذا الحاد مما يؤدي إليه مثله.
ـ ومن فضائحه بقسمة كلام الله تعالى قسمين : قسمة لا في محل ، وهو قوله الشيء «كن» ، وباقي كلامه في محل ، مع كون القسمين عرضين حادثين. فاما قوله بحدوث إرادة الاله في محل فقد شاركه فيه البصريون من المعتزلة.
فهذه اقواله في ربه ، لا شكرا لله له اقواله. وكم له فضائح لو وضعت على الجبال دكدكت جباله.
__________________
(١) ردت المعتزلة الصفات الى الذات الالهية. انظر : كتابنا «فلسفة المعتزلة» الجزء الاول : التوحيد من ص ٣٧ الى ص ٥٥ ـ مطبعة نشر الثقافة ـ الاسكندرية ١٩٥٠.