وأن يدوم عليه ما هو فيه. وحسدته أحسده حسدا ، إذا اشتهيت أن يكون لك ما له ، وأن يزول عنه ما هو فيه. فأراد عليهالسلام أنّ الغَبْطَ لا يضرّ ضرر الحسد ، وأن ما يلحق الغَابِط من الضّرر الراجع إلى نقصان الثّواب دون الإحباط بقدر ما يلحق العضاهَ من خبط ورقها الذي هو دون قطعها واستئصالها ، ولأنه يعود بعد الخبط ، وهو وإن كان فيه طرف من الحسد ، فهو دونه في الإثم.
ومنه الحديث «على منابر من نور يَغْبِطُهم أهل الجمع».
والحديث الآخر «يأتي على الناس زمان يُغْبَطُ الرّجل بالوحدة كما يُغْبَطُ اليوم أبو العشرة» يعنى أنّ الأئمة في صدر الإسلام يرزقون عيال المسلمين وذراريّهم من بيت المال ، فكان أبو العشرة مَغْبُوطاً بكثرة ما يصل إليه (١) من أرزاقهم ، ثم يجيء بعدهم أئمة يقطعون ذلك عنهم ، فيُغْبَطُ الرّجل بالوحدة ، لخفّة المؤنة ، ويرثى لصاحب العيال.
ومنه حديث الصلاة «أنه جاء وهم يصلّون في جماعة ، فجعل يُغَبِّطُهُم» هكذا روي بالتشديد : أي يحملهم على الغَبْط ، ويجعل هذا الفعل عندهم ممّا يُغْبَطُ عليه ، وإن روي بالتخفيف فيكون قد غَبَطَهُم لتقدّمهم وسبقهم إلى الصلاة.
(ه) ومنه الحديث «اللهم غَبْطاً لا هبطا» أي أولنا منزلة نُغْبَطُ عليها ، وجنّبنا منازل الهبوط والضّعة.
وقيل : معناه نسألك الغِبْطَة ، وهي النّعمة والسّرور ، ونعوذ بك من الذّل والخضوع.
وفي حديث ابن ذي يزن «كأنّها غُبُطٌ في زمخر» الغُبُط : جمع غَبِيط ، وهو الموضع الذي يوطّأ للمرأة على البعير ، كالهودج يعمل من خشب وغيره ، وأراد به هاهنا أحد أخشابه ، شبّه به القوس في انحنائها.
__________________
(١) فى ا واللسان : «إليهم» والمثبت فى الأصل ، والفائق ١ / ١٠.