ألا ترى أنه أفْردَ الريحَ ووَصَفَه بالجمع فى قوله تعالى «نشرا بين يدى رحمته» فلا يكون الريح على هذا الا اسماء للجنس وقولُ من جَمَعَ الريح اذا وَصَفَها بالجمع الذى هو نُشُرًا أحْسَنُ لان الحملَ على المعنى ليس ككَثْرَةِ الحَمْلِ على اللفظِ ويؤكد ذلك قولُه تعالى (الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) فلما وُصِفَتْ بالجمع جُمِعَ المَوْصُوفُ أيضا ومما جاء فيه الجمع القليلُ بالواو وقولُ ذى الرمة
اذا هَبَّتِ الارْواحُ من نَحْوِ جانِبٍ |
|
به آلُ مَىّ هاجَ شَوْقِى جَنُوبُها |
وليس ذلك عندى كعِيدٍ وأعْيادٍ لان هذا بدل لازم وليس البدل فى الريح كذلك فأما ما جاء فى الحديث من أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان يقول اذا هَبَّتْ رِيحٌ «اللهم اجْعَلْها رِياحًا ولَا تجعلها رِيحًا» فلَانَّ عامّةَ ما جاء فى التنزيل على لفظةِ الرياحِ للسُّقْيا والرحمةِ كقوله عزوجل (أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) وقوله (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) و (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) وما جاء بخلاف ذلك جاء على الافْراد كقوله عزوجل (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وقوله (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) و (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) فجاءت فى هذه المواضع على لفظ الافرادِ وفى خلافها على لفظِ الجميع* قال أبو عبيدة* نُشُرًا أى مُتَفَرِّقةً من كُلِّ جانبٍ* قال أبو على* أنْشَر اللهُ الريحَ مثْلُ أحْياها فنَشَرَتْ أى حَيِيَتْ والدليلُ على أن إنْشارَ الريح إحياؤُها قولُ المَرَّارِ الفَقْعَسِىّ
وهَبَّتْ له ريحُ الجَنُوبِ وأُحْيِيَتْ |
|
له رَيْدَةٌ يُحْيِى المَماتَ نَسِيمُها |
فكما جاء فيها أُحْيِيَتْ كذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم أنْشَر اللهُ الرِّيحَ معناه الاحْياءُ ومما يَدُلُّ على ذلك أن الريحَ قد وُصِفَتْ بالموتِ كما وُصِفَتْ بالحياةِ فى قوله
انى لَأرْجُو أن تَمُوتَ الرِّيحُ |
|
فأَقْعُد اليومَ فاسْتَرِيح |
فقال تموت الريح بخلاف ما قاله الآخر وأُحْيِيتْ له رَيْدةٌ والرَّيْدَةُ والرَّيْدانَةُ ـ الريح وقراءةُ من قرأ نُشُرًا يحتمل ضربين يجوز أن يكونَ جمعَ ريحٍ نَشُورٍ ورِيحٍ ناشِرٍ ويكونَ ناشِرٌ على معنى النَّسَب فاذا جعلته جمعَ نَشُورٍ احْتَمَلَ معنيين أحدهما أن