وكلّ صواب لأنّ «الرسالة» قد تجمع «الرّسائل» ، كما تقول «هلك البعير والشّاة» ، و «أهلك الناس الدينار والدرهم» ، تريد الجماعة.
وقال تعالى : (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) [الآية ٦٩] ، وقال في موضع آخر (وَالصَّابِئِينَ) [البقرة / ٦٢ والحج / ١٧] ، والنصب القياس على العطف على ما بعد (إِنَ) فأما هذه فرفعها على وجهين ، كأن قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) [الآية ٦٩] في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوله : «إنّ زيدا منطلق» و «زيد منطلق» من غير ان يكون فيه «إنّ» في المعنى سواء ، فان شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت : «إن زيدا منطلق وعمرو». ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن واكثر. وقال بعضهم : «لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله ، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو (الَّذِينَ هادُوا) [الآية ٦٩] أجري عليه فرفع به وان كان ليس عليه في المعنى (١) ، ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني ، منها قولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» ، وقولهم «كذب عليكم الحجّ» يرفعون «الحج» «بكذب» وإنما معناه عليكم الحج نصب بأمرهم (٢). وتقول : «هذا حبّ رمّاني» فتضيف «الرّمان» إليك وإنّما لك «الحبّ» وليس لك «الرّمّان». فقد يجوز اشباه هذا والمعنى على خلافه.
وقال تعالى : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [الآية ٧١] ولم يقل «ثمّ عمي وصمّ» وهو فعل مقدّم ، لأنه أخبر عن قوم أنهم عموا وصمّوا ، ثم فسّر كم صنع ذلك منهم كما تقول «رأيت قومك ثلثيهم» (٣) ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء / ٣] وإن شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون : «أكلوني البراغيث» (٤) كما قال (٥) [من
__________________
(١). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٨٧ والجامع ٦ / ٢٤٦ مشركا معه فيه الكسائي ولعل هذا ما دفع الأخفش الى نسبة الرأي الى «بعضهم» والبيان ١ / ٣٠٠ والإملاء ١ / ٢٢٢.
(٢). نقله في الصحاح بشيء من التغيير «كذب».
(٣). نقله في اعراب القرآن ١ / ٢٨٨ والجامع ٦ / ٢٤٨.
(٤). وهي لغة ضعيفة لا يليق ان نخرّج بها النصّ القرآني.
(٥). هو الفرزدق همام بن غالب. الديوان ١ / ٥٠ وامالي ابن الشجري ١ / ١٣٣.