فإن قيل : كيف قال هابيل لقابيل كما ورد في التنزيل : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) [الآية ٢٩] أي تنصرف بهما مع أن إرادة السوء والوقوع في المعصية للأجنبي حرام ، فكيف للأخ؟
قلنا : فيه إضمار حرف النفي تقديره : إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك كما في قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل / ١٥] ، أي أن لا تميد بكم وقوله تعالى (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف / ٨٥] وقول امرئ القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
الثاني أن فيه حذف مضاف تقديره : إني أريد انتفاء أن تبوء بإثمي وإثمك كما في قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة / ٩٣] ، أي حب العجل. الثالث أن معناه : إني أريد ذلك إن قتلتني لا مطلقا. الرابع أنه كان ظالما ، وجزاء الظالم تحسن إرادة من الله تعالى فتحسن من العبد أيضا.
فإن قيل : قوله تعالى (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٣١) يدل على أن قابيل كان تائبا لقوله عليه الصلاة والسلام «الندم توبة» فلا يستحق النار.
قلنا : لم يكن ندمه على قتل أخيه ، بل على حمله على عنقه سنة ، أو على عدم اهتدائه إلى الدفن الذي تعلمه من الغراب ، أو على فقد أخيه لا على المعصية ، ولو سلمنا أن ندمه كان على قتل أخيه ، ولكن يجوز أن الندم لم يكن توبة في شريعتهم بل في شريعتنا ، أو نقول : التوبة تؤثر في حقوق الله تعالى لا في حقوق العباد ، والدم من حقوق العباد فلا تؤثر فيه التوبة.
فإن قيل : كيف يكون قتل الواحد كقتل الكل (١) ، وإحياء الواحد كإحياء الكل والدليل يأباه من وجهين : أحدهما أن الجناية كلما تعددت وكثرت كانت أقبح فتناسب زيادة الإثم والعقوبة ، هذا هو مقتضي العقل والحكمة. الثاني أن المراد بهذا التشبيه إما أن يكون تساوي قتل الواحد والكل في الإثم والعقوبة ، أو تقاربهما ، وإنما كان يلزم منه أنه إذا قتل الثاني أو الثالث وهلم جرا أن لا يكون عليه إثم آخر ، ولا يستحق عقوبة أخرى لأنه أثم إثم قتل الكل واستحق عقوبة قتل الكل
__________________
(١). اشارة الى الآية ٣٢ من سورة المائدة.