وكل واحد من المؤمنين مصدق بجميع كلمات الله تعالى؟
قلنا : معناه مصدقا بعيسى الذي كان خلقه بكلمة من الله تعالى ، وهو قوله «كن» من غير واسطة أب في الوجود ، وكان تصديق يحيى بعيسى أسبق من تصديق كل أحد في الوجود أو في الرتبة.
فإن قيل : زكريا سأل الولد بقوله (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [الآية ٣٨] والله تعالى بشّره بيحيى (ع) على لسان الملائكة ، فكيف أنكر بعد هذا كله قدرة الله تعالى على إعطائه الولد حتى قال (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) [الآية ٤٠].
قلنا : إنما قاله على سبيل الاستفهام والتعجب من عظيم قدرة الله تعالى ، لا على طريق الإنكار والاستبعاد ، أو اشتبه عليه كيف ينجب الولد وهو شيخ وامرأته عاقر ، أو تزول عنهما هاتان الصفتان لكشف الحال تقديره : أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر. ولقائل أن يقول : آخر الآية لا يناسب هذا الجواب.
فإن قيل : ما فائدة تكرار ذكر الاصطفاء في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ) [الآية ٤٢].
قلنا : الاصطفاء الأول : العبادة التي هي خدمة البيت المقدس وتخصيصها بقبولها في النذر مع كونها أنثى ، والاصطفاء الثاني : لولادة عيسى (ع) ، أو أعيد ذكر الاصطفاء ليفيد بقوله (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٤٢) فيندفع بأنها مصطفاة على الرجال.
فإن قيل : لم نفى حضور النبي عليه الصلاة والسلام في زمن مريم بقوله تعالى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) [الآية ٤٤] ، وذلك معلوم عندهم لا شك فيه ، وترك نفي استماعه ذلك الخبر من حفّاظه ، وهو الذي كانوا يتوهمونه؟
قلنا : كان معلوما أيضا عندهم علما يقينيّا أنه ليس من أهل القراءة والرواية ، وكانوا منكرين للوحي فلم يبق إلا المشاهدة والحضور وهما في غاية الاستحالة ، فنفيا من طريق التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم أنه لا قراءة له ولا رواية ، ونظيره قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ (٤٤) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) [القصص].
فإن قيل : لم قال اسمه المسيح عيسى بن مريم والخطاب مع مريم ،