الاستعداد للإيمان في وقت لا يقبل منهم فيه إيمان.
وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد ، وهو الآن عنهم مكشوف فلينتهزوا الفرصة ، قبل أن يعودوا الى ربهم ، فيكون ذلك العذاب المخيف.
(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (١٦).
ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ، ومشهد البطشة الكبرى والانتقام ، ينتقل بهم السياق الى مصرع فرعون وملّته ، يوم جاءهم رسول كريم ، يدعوهم الى الإيمان بالله تعالى ، فأبوا أن يستجيبوا لدعوته ، وهمّوا بالانتقام من موسى (ع) فأغرقهم سبحانه ، وتركوا وراءهم الجنات والزروع ، والفاكهة والمقام الكريم ، يستمتع بها سواهم ، ويذوقون هم عذاب السعير.
وفي غمرة هذا المشهد الموحي يعود السياق الى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة ، وإنكارهم للبعث وقولهم ، كما ورد في التنزيل :
(إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦).
ليذكّرهم ، بأنهم ليسوا أقوى من قوم تبّع الذين هلكوا لإجرامهم. ويربط السّياق بين البعث ، وحكمة الله ، جلّ وعلا ، في خلق السماوات والأرض ، فلم يخلقهما عبثا ، وإنما لحكمة سامية ، هي أن تكون الدنيا للعمل والابتلاء ، والآخرة للبعث والجزاء.
ثم يحدثهم عن يوم الفصل الذي هو (مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ). وهنا يعرض السياق مشهدا عنيفا لعذاب المكذّبين : إنهم يأكلون من شجرة مؤلمة طعامها مثل درديّ (١) الزيت المغلي ـ وهو المهل ـ يغلي في البطون كغلي الجحيم ، ويشدّ المجرم شدّا في جفوة وإهانة ، ويصبّ فوق رأسه من الحميم الذي يكوي ويشوي.
ومع الشدّ والجذب ، والدفع والعتل والكيّ ، التأنيب والإهانة ، جزاء الشكّ والتكذيب بالبعث والجزاء :
(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩).
وفي الجانب الآخر من ساحة
__________________
(١). درديّ الزيت : ما رسب أسفل الزيت.