ولكنهم ، لجهلهم وعنادهم ، يعرضون عن هذا الإنذار ، ويتمسّكون بما هم فيه من الشرك والضلال. ثم انتقل السياق من هذا الى تسجيل الجهل والعناد عليهم في شركهم وإعراضهم عما أنذروا به ، فطلب منهم ، سبحانه ، أن يخبروه عمّا خلق شركاؤهم من الأرض ، أو يأتوه بكتاب منزل أو دليل من العقل. وذكر ، عزوجل ، أنه لا أضلّ ممّن يدعو من دونه جمادا لا يستجيب له الى يوم القيامة ، وإذا حشر الناس تبرّأ من عبادتهم له. ثم انتقل السياق من هذا الى إعراضهم عمّا أنذروا به وزعمهم أنه سحر أو كذب مفترى ، فأمر الله تعالى نبيّه (ص) بأن يجيبهم بأنه لو كان قد افتراه لعاجله الله بعقربته ، ولم يملكوا أن يدفعوا عنه شيئا. ثم ذكر شبهة أخرى لهم فيه ، وهي قولهم في الذين آمنوا : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الآية ١١] ، وأجاب عنها بأنه أنزل التوراة قبله إماما ورحمة لبني إسرائيل ، وهذا كتاب أنزله لهم بلسان عربيّ إنذارا للذين ظلموا وبشرى للمحسنين ، ثم بيّن عزوجل وجه كونه بشرى لهم بأنهم إذا قالوا : ربّنا الله ثمّ استقاموا ، فلا خوف عليهم ، وسيكونون من أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون. وذكر من أعظم ما يجزون عليه هذا الجزاء استجابتهم لوصيّته بالإحسان الى الوالدين ، وقيامهم بشكره على ما أنعم به عليهم. ثم ذكر ، سبحانه ، حديث الذي أساء إلى والديه ، وقد أنذراه بعذاب الآخرة إن لم يؤمن بالله تعالى ، لأن ذكر الضد يدعو الى ذكر ضده ، وليأخذ في الوعيد بعد الأخذ في الوعد ، فذكر أن مثل هذا قد حقّ عليه القول بالعذاب في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ، وسلكوا في الضلال مسلكهم ؛ وأن من هؤلاء الأمم قوم عاد بالأحقاف ، فقد أنذرهم أخوهم هود فكذّبوه فأخذوا بريح دمّرت عليهم مساكنهم ؛ وكذلك ما حول مكة من القرى التي دمّرت باليمن والشام ، فلم ينصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨).
ثم ذكر سبحانه من استجاب للإنذار من الجن ، بعد أن ذكر من أعرض عنه من الإنس ، ليحملهم على الاستجابة للإنذار مثلهم ، فذكر حديث استماع نفر من الجن للقرآن وإيمانهم به ، وأنهم انصرفوا الى قومهم منذرين ،