[الآيات ٨ ـ ١٠] : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٨) : إنّ الذي قدر على خلق الإنسان وأنشأه ورعاه ، لقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت ، وإلى التجدّد بعد البلى ؛ فالنشأة الأولى تشهد بقدرته وحكمته ، هذه النشأة البالغة الدقة والحكمة ، تذهب كلّها عبثا إذا لم تكن هناك رجعة لتختبر السرائر ، وتجزى جزاءها العادل.
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩) تبلى : أي تختبر وتمتحن ، والمراد تظهر. و (السَّرائِرُ) (٩) ما يسرّ في القلوب من العقائد والنّيّات ، وما خفي من الأعمال ، واحدها سريرة.
وقال الأحوص :
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا سريرة ودّ يوم تبلى السرائر إنّ الله سبحانه قادر على إعادة الإنسان للحياة يوم تتكشّف السرائر ، وتظهر الخفايا ، ويتجرّد الإنسان من كل قوة ومن كل عون.
(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠) فلا يكون للإنسان قوّة ذاتيّة أو منعة من نفسه يمتنع بها ، وما له من ناصر خارج ذاته ينصره ويحميه ممّا حتّم أن يقع عليه.
والخلاصة : أنّ القوة التي بها يدافع الإنسان عن نفسه ، إمّا من ذاته ، وقد نفاها بقوله تعالى : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) [الآية ١٠] ، وإمّا من غيره وقد نفاها بقوله : (وَلا ناصِرٍ) (١٠). وبذلك يحشر الإنسان منفردا ، مكشوف السرائر ، متجرّدا من القوة والنصير.
[الآيات ١١ ـ ١٤] : يقسم الله سبحانه وتعالى بالسماء ذات المطر الذي ينزل منها ، وقد كان أصله ماء الأرض فتبخّر وصعد إلى السماء ، ثم رجع منها مطرا إلى الأرض ، ليحييها بعد موتها ؛ ويقسم بالأرض التي تتشقّق عن النبات والعيون ، يقسم بذلك على أنّ القرآن تنزيل من رب العالمين ، وهو القول الفاصل بين الحق والباطل ، وليس بالهزل ولا باللهو واللعب.
أخرج التّرمذي والدارمي عن عليّ كرم الله وجهه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : «إنّها ستكون فتن. قلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال كتاب الله ، فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من