هو ما يمكن لأذهاننا أن تتوجّه إليه به ، والله يأمرنا بتسبيح هذا الاسم ، أي تنزيهه عن أن يكون فيه ما لا يليق به من شبه المخلوقات أو ظهوره في واحد منها بعينه ، أو اتّخاذه شريكا أو ولدا أو ما ينحو هذا النحو ، فلا نوجه عقولنا إليه إلّا بأنه خالق كل شيء ، المحيط علمه بدقائق الموجودات».
والخطاب في السورة موجّه إلى رسول الله (ص) ، وفيه من التلطّف والإيناس ما يجلّ عن التعبير ، وقد كان (ص) ينفّذ هذا الأمر فور صدوره.
وحينما نزل قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) [الواقعة] قال النبي (ص) : اجعلوها في ركوعكم ، أي قولوا في الركوع : سبحان ربي العظيم ، ولما نزل قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) قال النبي (ص) : اجعلوها في سجودكم ، أي قولوا في السجود : سبحان ربي الأعلى.
(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (٢) الذي خلق كلّ شيء فسوّاه وأكمل صنعته ، وبلغ به غاية الكمال الذي يناسبه بلا تفاوت ولا اضطراب ، كما تراه يظهر لك من خلق السماوات والأرض.
(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) أي قدّر لكلّ حيّ ما يصلحه مدة بقائه ، وهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع بما فيه منفعة له ، ووجه الهرب بما يخشى غائلته.
«وكلّ شيء في الوجود سويّ في صنعته ، كامل في خلقته ، معدّ لأداء وظيفته ، مقدّر له غاية وجوده ، وهو ميسّر لتحقيق هذه الغاية من أيسر طريق. والأشياء جميعها مجتمعة كاملة التنسيق ، ميسّرة لكي تؤدّي في تجمّعها دورها الجماعي ، مثلما هي ميسّرة فرادى لكي تؤدّي دورها الفردي».
جاء في كتاب «العلم يدعو إلى الايمان» ما يأتي : «إنّ الطيور لها غريزة العودة إلى الوطن ، فعصفور الهزار الذي عشّش ببابك يهاجر جنوبا في الخريف ، ولكنّه يعود إلى عشّه في الربيع التالي ، وفي شهر سبتمبر تطير أسراب من معظم الطيور إلى الجنوب ، وقد تقطع في الغالب نحو ألف ميل فوق أرض البحار ، ولكنّها لا تضل طريقها ؛ والنحلة تجد خليّتها مهما طمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار كل دليل يرى ؛ وأنت إذا تركت حصانك العجوز وحده فإنه يلزم الطريق مهما اشتدت ظلمة الليل ، وهو يقدر أن يرى ولو في غير وضوح ؛