والخطاب مع ذلك عام لكل من يسمع القرآن.
[الآيات ٢ ـ ٧] : إن وجوه الكفّار في هذا اليوم تكون ذليلة ، لما يظهر عليها من الحزن والكآبة ، وسوف يلقون تعبا وإرهاقا في النار ، بسبب أعمالهم السيّئة ، وسيدخلون النار المتأجّجة التي تلتهمهم ، وإذا عطشوا من شدة حرّها ، وطلبوا ما يطفئ ظمأهم ، سقوا (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) : أي من ينبوع شديد الحرارة ، (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩) [الكهف]. وليس لهم طعام في النار إلّا من ضريع ، والضريع : شجر ذو شوك لائط بالأرض ، فإذا كان رطبا سمّي بالشّبرق ، وإذا جني صار اسمه الضريع. ولم تستطع الإبل مذاقه فهو عندئذ سامّ ، والأكل منه لون من ألوان العذاب الشديد ، يضاف الى ذلك الغسلين والغسّاق ، وباقي الألوان التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
[الآيات ٨ ـ ١١] : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (١١).
هنا وجوه يبدو عليها النعيم ، ويفيض منها الرضى ، وجوه تنعم بما تجد ، وتشعر بالرضى عن عملها ، حينما ترى رضى الله عنها ، وهذا النعيم في جنة عالية المقام ، مرتفعة على غيرها من الأماكن ، لأنّ الجنّة منازل ودرجات بعضها أعلى من بعض ، كما أن النّار دركات بعضها أسفل من بعض.
لا يسمع أهل الجنة لغوا ولا باطلا ، وإنّما يعيشون في جو من السكون والهدوء ، والسلام والاطمئنان ، والودّ والرضى ، والنجاء والسمر بين الأحبّاء ، والتنزّه والارتفاع عن كل كلمة لاغية ، لا خير فيها ولا عافية ، وهذه وحدها نعيم وسعادة ؛ وتوحي الجملة بأن المؤمنين في الأرض حينما ينأوون عن اللغو والباطل ، إنّما ينعمون بطرف من حياة الجنة ، ويتشبّهون بأهلها.
[الآية ١٢] : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) (١٢) ، والعين الجارية : الينبوع المتدفّق ، والمياه الجارية متعة للنفس وللنظر ، وقد افتخر بمثلها فرعون فقال : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٥١) [الزخرف].
[الآية ١٣] : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣) وفيها سرر عالية المكان والمقدار ،