إنّ جهنّم خلقت ووجدت مكانا مترصّدا للطاغين ، ينتظر حضورهم ، ويترقّب وصولهم. إنّ جهنّم مرجع الطغاة ومكان إيابهم وعودتهم. روى ابن جرير عن الحسن أنه قال : لا يدخل أحد الجنة حتّى يجتاز النار ، فإن كان معه جواز نجا ، وإلّا احتبس.
وسيمكث الطغاة في النار دهورا متلاحقة ، يتبع بعضها بعضا ، فكلّما انقضى زمن تجدّد لهم زمن آخر. إنّهم لن يذوقوا في جهنّم طعاما إلّا الحميم ، وهو الماء المغلي ، والغسّاق ، وهو الصديد الذي يسيل من جراح أهل النار ، (جَزاءً وِفاقاً) (٢٦). قال مقاتل : وافق العذاب الذنب ، فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار ؛ إنّهم كانوا لا يتوقّعون الحساب ، وكذّبوا بجميع البراهين الدّالّة على التوحيد والنبوّة والمعاد ، وبجميع ما جاء في القرآن ؛ بينما كان الله يحصي عليهم كلّ شيء إحصاء دقيقا لا يفلت منه شيء ، وسجّل أعمالهم في اللوح المحفوظ ، أو كتبها في صحف أعمالهم. ويقال لهم على ألسنة خزنة جهنّم من باب التأنيب الميئس من كل رجاء : ذوقوا أشد العذاب بما كسبت أيديكم ، ولن نزيدكم إلّا عذابا من جنسه.
[الآيات ٣١ ـ ٣٦] : تعرض هذه الآيات المشهد المقابل ، مشهد الأتقياء في النعيم ، بعد مشهد الطغاة في الجحيم : إنهم يفوزون بالنعيم والثواب ، ومن بعض مظاهره : الحدائق الكثيرة ، والبساتين والأعناب ، (وَكَواعِبَ) وهن الفتيات الناهدات ، اللواتي استدارت أثداؤهن ، (أَتْراباً) (٣٣) متوافقات السن والجمال ، (وَكَأْساً دِهاقاً) (٣٤) مترعة بالشراب ، ولا يجري بينهم حين يشربون لغو الكلام ، ولا يكذّب بعضهم بعضا. هذه النعم جزاء من الله على أعمالهم ، وهي عطاء وتفضّل من الله على حسب أعمالهم ، وفي الحديث الشريف : «إنّكم تدخلون الجنّة بفضل الله ، وتقتسمونها بحسب أعمالكم».
[الآيات ٣٧ ـ ٤٠] : هذا الجزاء السّابق للطّغاة وللتّقاة ، من مالك السماوات والأرض ، والمدبّر لشئونهما ، والمالك لما بينهما من عوالم ، وهو الرحمن ، ومن رحمته يكون الجزاء العادل المناسب للأشرار وللأخيار ، ومع الرحمة الجلال ، فلا