بأطوار عدّة خارج بطنها ، رضيعا فطفلا فشابّا فكهلا فشيخا. ثمّ يسّر الله له سبيل الهداية ، ومنحه العقل والإرادة ، ومكّنه من القدرة على الاختيار ، وعرّفه عاقبة كلّ عمل ونتيجته ؛ قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) [الإنسان] ، أي بيّنّا له الطريق ومنحناه القدرة على الاختيار ، وبيّنا له سبيل الهدى والضلال ، فإمّا أن يشكر ربه ويمتثل لأمره ، وإمّا أن يكفر بنعمه ويخالف أمره ؛ حتّى إذا انتهت حياة الإنسان سلب الله روحه ، ومنّ عليه بالموت وهو نعمة كبرى ، ولولا الموت لأكل الناس بعضهم بعضا ، ولضاقت الأرض بمن عليها. ومن نعم الله أن شرّع دفن الميت ، وحفظه في باطن الأرض ، حتّى لا يترك على ظهرها للجوارح والكواسر.
ومن نعم الله ، أيضا ، أن يبعث الموتى ، وينشرهم ويخرجهم من قبورهم ، لمكافأة الطائع ومعاقبة العاصي.
عجبا للإنسان الجاحد ، فإنه بالرغم من النعم الظاهرة والباطنة ، التي أحاطه الله تعالى بها ، لم يمتثل ما أمره به.
[الآيات ٢٤ ـ ٣٣] : فليتأمل الإنسان تدبير الله ، لإمداده بأسباب الحياة والنموّ ، ولينظر إلى ألصق شيء إليه ، وألزم شيء له ، وهو الطّعام ، كيف يسّر الله الحصول عليه ؛ فقد أنزل له سبحانه المطر من السماء ، فانتفعت به الأرض ، وانشقّت عنه ثمانية أنواع من النبات هي :
١ ـ الحبّ كالحنطة والشعير والأرزّ.
٢ ـ العنب والفاكهة.
٣ ـ القضب ، وهو ما يؤكل من النبات رطبا وغضّا طريّا.
٤ و ٥ ـ الزيتون والنخل ، وفيهما من القيمة الغذائية الشيء الكثير ، والبلح طعام الفقير وحلوى الغنيّ ، وزاد المسافر والمقيم.
٦ ـ بساتين ذات أشجار ضخمة مثمرة ، وذات حوائط تحيط بها ، (غُلْباً) (٣٠) جمع غلباء أي ضخمة عظيمة ، ملتفّة الأشجار.
٧ ـ وفاكهة يتمتّع الإنسان بأكلها ، كالتّين والتّفّاح والخوخ وغيرها.
٨ ـ والأبّ ، أي مرعى الحيوان خاصة.
تلك قصّة الطّعام الذي أنبتته يد