مخيرا في أخذ الرّأي من أيهما أراد ولكن لا بد له من الأخذ بأحدهما ثم العمل على طبقه فان الأخذ هنا مقدمة الحجية كما قلنا في الخبرين في باب التعادل والترجيح وليس التقليد هنا صرف العمل بل هو العمل بعد الأخذ والالتزام (١) هذا كله في الدليل الغير النقليّ.
اما الدليل النقليّ لوجوب التقليد فمنها آية النفر وهي قوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (التوبة ١٢٢) ومنها آية السؤال وهي قوله تعالى فاسألوا أهل الذّكر ان كنتم لا تعلمون (النحل ٤٣) ومن السنة ما ورد من قوله عليهالسلام اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه إلى قوله فللعوام ان يقلدوه وما ورد من قوله عليهالسلام بالنسبة إلى بعض الرّواة بقوله عليهالسلام خذ معالم دينك منه وغير ذلك مما يجده المتفحص (٢).
ولا يخفى قبل تقريب الاستدلال ان العامي لا يمكنه الاستدلال بما ذكر بل من له درجة من الاجتهاد ولو في هذه المسألة يجتهد فيها ولكن ليس البحث بلا فائدة بل العامي بحسب الفطرة إذا شك في جواز التقليد وعدمه يرجع إلى المجتهد كما انه يرجع إليه إذا شك في حلية العصير العنبي وحرمته بالنش فهو يفتى بوجوب التقليد ويبين حدوده وقيوده من وجوب تقليد الأعلم أو جواز تقليد غيره ومن وجوب
__________________
(١) أقول مر منا فيما سبق ان الأخذ لا تأثير له في الحجية بل بعد العلم الإجمالي بحجية أحد الخبرين يؤخذ به لأنه حجة لا انه ليس بحجة وبالاخذ يصير حجة.
ولذا لا يكون في وسع المكلف عدم الأخذ به لئلا يصير حجة وفتوى المجتهدين أيضا كذلك على فرض شمول أدلة التخيير لغير الخبرين أو من باب الإجماع على عدم كون المكلف مهملا وفارغا عن الرجوع إلى أحدهما وعليه فإذا كان التقليد هو العمل المستند يكون في المقام أيضا كذلك ولا احتياج إلى الأخذ وعلى فرض كون المدار على الالتزام فهو لازم قبل العمل.
(٢) الروايات في الوسائل ج ١٨ في أبواب صفات القاضي في باب ١٠ و ١١