نعم لو كان برهان امتناع الشرط المتأخر هو لزوم التهافت في اللحاظ ، فهذا لا يفرّق فيه بين أن يكون من باب ضيق الخناق ، أو من باب تأثير المتأخر في المتقدم ، فإنه على أي حال فيه ، يلزم التهافت في اللحاظ ، وحيث أنّ الشرط المتأخر معقول على أيّ حال ، فالفرضية الأولى والثانية كلتاهما معقول ، غاية الأمر ، أن الأولى تكون معقولة إذا تمّت الأمور الثلاثة.
وعلى ضوء ما تقدّم قد يقال : إنّ هذا القيد وهو «طلوع الفجر» ، إذا فرض أنه ليس من قيود الاتصاف ، وإنما كان أخذه من باب ضيق الخناق ، فالأمر كما تقدم ، أي إنّه يكون إمكان الشرط المتأخر في المقام أحسن حالا من إمكانه في غير المقام ، وأمّا إذا افترضنا أن «طلوع الفجر» قيد من قيود الاتصاف فقد يقال : إنّ هذا الشرط المتأخر مستحيل في المقام ، حتى لو بنينا على إمكانه في غير المقام ، وحينئذ لا يتم لا الجواب الأول ، ولا الثاني ، لاستحالة الشرط المتأخر في المقام ، وإن تمّ في غير المقام.
وتوضيح ذلك ، هو : إنّ الوجوب المشروط بالشرط المتأخر ، تارة يفرض أن متعلقه سابق على الشرط المتأخر ، وكذلك الواجب هو أيضا سابق على الشرط المتقدم ، كما مرّ في المثال السابق ، وهو أن المولى يجعل وجوب يوم السبت مشروطا بصلاة «الليل في ليلة الأحد» ، فصلاة ليلة الأحد ، شرط الوجوب سابق عليه ، والواجب سابق أيضا عليه.
وتارة أخرى ، يكون من قبيل محل الكلام ، إذ في محل الكلام ، الوجوب سابق على الشرط التأخر ، لأن وجوب صوم نهار شهر رمضان يثبت عند غروب الشمس ، مشروطا بطلوع الفجر فيما بعد بنحو الشرط المتأخر ، فالوجوب هنا سابق على «طلوع الفجر» ، ولكن الواجب ليس سابقا ، لأن الواجب هو الصوم النهاري ، وهذا الصوم لا يكون إلّا بعد «طلوع الفجر» وهذا فرق موضوعي ، بين محل الكلام ، وما كنّا نتحدث عنه سابقا.
وحينئذ يقال إنّ هذا الفرق موجب لإمكان ذاك واستحالة هذا.