وما تقدّم سابقا من أن الوجوب المجعول ليس له وجود آخر وراء عالم الجعل ، فهو صحيح ، لكن ليس معنى هذا ، أنّ ما هو الموجود فعلا من أول الأمر ، هو الوجوب الفعلي ، بل هو الوجوب التقديري ، ويبقى وجوبا تقديريا مجعولا في أفق الجعل والاعتبار بهذا النحو ، وتكون فاعليته منوطة بتحقّق الشرط الذي أخذ في موضوعه.
وهذه الأجوبة كانت تحاول تصحيح المقدمات المفوّتة عن طريق الوجوب : إمّا وجوب معلّق ، أو مشروط بالشرط المتأخر ، أو وجوب تبعيضي لبعض حصص العدم دون بعض ، أو وجوب مشروط مع دعوى فعلّيته قبل وجود الشرط.
والخلاصة ، هي : إنّ الوجوب الموجود قبل تحقّق الشرط ، وإن كان فعليا ، إلّا أن فاعليته وتأثيره منوطة بتحقق شرطه المقدّر عليه الوجوب ، الموجود ، وإيجاب المقدمة يكون من شئون فاعلية الوجوب لا فعليته ، إذن فالجواب هذا غير تام.
٥ ـ الجواب الخامس : هو أنه يفترض فيه عدم إمكان جعل الوجوب قبل وجود الشرط ، ويفترض فيه أيضا عدم إمكان الواجب المعلّق ، والوجوب المشروط بالشرط المتأخر ، ويفترض فيه أيضا أن «طلوع الفجر» ، ليس من قيود الاتصاف بالنسبة إلى عالم الملاك والإرادة ، وحينئذ ، المولى وإن كان لا يمكنه إن يجعل وجوب «صوم شهر رمضان» من أول الغروب لأنه يقع ، إمّا في محذور الوجوب المعلّق ، أو محذور المشروط بالشرط المتأخر ، لكن المفروض أن إرادته موجودة من حين الغروب ، إذ من حين الغروب الملاك فعلي ، والإرادة فعلية ، لأنّ «طلوع الفجر» ليس من قيود الاتصاف ، بل هو من قيود الترتب ، حيث لو أمكن أن يجعل الوجوب لجعله من أول الغروب ، لكن لا يمكنه ذلك رغم فعلية الملاك والإرادة ، ولنفرض أن المولى تصدّى ، ولو بالجملة الخبرية ، لإبراز هذا الواقع ، وأوحى إلى المكلّف حقيقة ، أن ملاكه فعلي ، وإرادته فعلية ، وحينئذ ، هذه الإرادة الفعلية والملاك الفعلي كافيان