فيحكم العقل حينئذ بوجوب المقدمات المفوتة ، لكفاية ذلك في إبراز المولى فعليّة إرادته لشيء في وجوب سدّ أبواب عدمه عن طريق مقدماته الاختيارية.
من هنا قد يقال بالوجوب الشرعي للمقدمات أيضا ، ذلك لأن الوجوب المقدّمي ليس معلولا للوجوب النفسي ، بل كلاهما معلولان لفعليّة الملاك والإرادة النفسيين ، والمفروض فعليّتهما في المقام ، وإنما لم تؤثر فعليتهما في فعليّة وجوب ذي المقدمة ، بسبب محذور الشرط المتأخر ، ومحذور الواجب المعلّق ، وكلاهما غير وارد بالنسبة لوجوب المقدمة حينئذ.
٦ ـ الجواب السادس : هو أن نفترض في المقام أنّ الشرط ، «طلوع الفجر» كان قيدا من قيود الاتصاف في كل المراحل الثلاثة : عالم الملاك ، وعالم الإرادة ، وعالم الخطاب ، بحيث أنه قبل «الطلوع» لا ملاك ، ولا إرادة ، ولا خطاب ، بينما وجوب الصوم مشروط بالطلوع ملاكا ، وإرادة ، وخطابا ، وجعلا ، وحينئذ توجد حالتان :
أ ـ الحالة الأولى : هي أن المكلّف لو ترك غسل الجنابة المقدمة ، قبل الطلوع ، إذن سوف يكون عاجزا عن الصوم ، وبعجزه عن الصوم ، لا يتوجه إليه خطاب «صم» ، ومعه لا يكون عاصيا لخطاب المولى ، لأن خطاب المولى «بالصيام» إنما يتوجه عند «طلوع الفجر» ، والمكلّف عنده عاجز عن الصوم الصحيح ، إذن فيسقط عنه الخطاب دون أن يتورط في محذور مخالفة الخطاب ، وذلك لأن الملاك المولوي الذي هو وراء الخطاب يفرض أنه ليس ثابتا عند العجز ، لأنه مشروط بالقدرة ، كما أن الخطاب مشروط بالقدرة ، وحينئذ فالمكلّف الذي لم يغتسل من الجنابة ، وأصبح عند «طلوع الفجر» عاجزا ، فهو لم يفوّت على المولى ولم يعص ، لا خطابا ولا ملاكا ، ومثل هذه الحالة ، نقول فيها بعدم وجوب المقدمات المفوتة.
ب ـ الحالة الثانية : هي أن يكون الملاك فيها فعليا على كل حال عند «طلوع الفجر» في حق القادر والعاجز معا ، غاية الأمر أنّ المكلّف عاجز عن