لنرى ما هو مدلولها ودورها بعد إرجاع المسألة من المطلوب التشريعي إلى المطلوب التكويني ، إذن لا بدّ من بحث مشكلة المقدّمات المفوّتة على مستوى المطلوب التكويني.
وليعلم أن ما ذكره المحققون من الأصحاب ، من الوجوه الخمسة والصحيحة على منهجهم في البحث ، هذه الوجوه لا تجدي نفعا على صعيد المنهج الذي طرحناه ، فإن التمسك بالواجب المعلّق ، والتمسك بالوجوب الفعلي المطلق من أول الأمر المتعلق بسد بعض حصص العدم ، أو التمسك بدعوى كون الخطاب مقيّدا بطلوع الفجر ، ولكن الإرادة والملاك فعليّان قبل الطلوع ، ومن أول الأمر ، هذه الوجوه الثلاثة كلها ، مرجعها إلى دعوى كون الظرف الاستقبالي قيد في الترتّب ، لا قيد في الاتصاف ، وإن شوق المولى وحبّه فعليّ من أول الأمر ، وغير منوط بطلوع الفجر ، بحيث لو أمكنه أن يجر الفلك ، ويحقق الفجر الآن ، لجرّه وحقّق الفجر ، لو كان اختياريا ، فيكون «طلوع الفجر» قيدا في الترتب لا في الاتصاف. ومع فعليّة الإرادة حينئذ تخرج المقدمات المفوتة عن كونها مقدمات مفوتة ، بل تصبح مقدمات معاصرة للإرادة ، لأن المقدمات المفوتة هي التي يكون ظرف الإتيان بها قبل ظرف الإرادة.
وأمّا بناء على هذه الوجوه الثلاثة ، تكون معاصرة للإرادة لا قبلها ، وتكون الإرادة فعليّة قبل الطلوع ، وغير مقيّدة به ، ويكون «الفجر» قيدا للمراد لا للإرادة ، وقيد الترتب لا قيد الاتصاف.
وهذه النكتة ، وهي معاصرة المقدمات المفوتة للإرادة ، يمكن إجراؤها في المطلوبات التكوينيّة ، وذلك بأن يقال : إن المولى إذا تعلّق غرضه وحبّه التكويني بأن يصوم هو عند الطلوع لا بعده ، فحينئذ من الآن هذا الحب فعلي ، بحيث أنه لو أمكنه أن يجر الفلك ، ويحقّق طلوع الفجر الآن لفعل.
ومن الواضح أن «طلوع الفجر» قيد ترتّب لا قيد اتصاف ، إذن فيقوم هو بنفسه ويغتسل ، لأنّ المقدمة معاصرة مع فعليّة الإرادة.