وهنا لا معنى لقولنا بأنه كان لا بدّ أن يأتي بها ، وذلك بقانون حكم العقل بوجوب الامتثال ، لا معنى لقولنا ذلك لأنه لا امتثال ولا حكم لأحد في المقام ، بحسب الفرض ، ولأن إيجاب العقل لذلك ، فرع أن يعقل اهتمام المولى نفسه بالمقدمات المفوتة لغرضه التكويني ، قبل فعليته ، كي يجب اهتمام المكلّف بها إذا أحرز ذلك ، وأمّا إذا لم يعقل اهتمام المولى بذلك ، فلا يحكم العقل بوجوب الامتثال.
والخلاصة هي إنّه إذا كان المولى لا يهتم بالمقدمات المفوتة لغرضه التكويني إذن فلا يجب ذلك على العبد بطريق أولى ، لأن العبد ليس أحرص من المولى على غرض المولى نفسه ، فإذا لم يكن المولى حريصا على مقدمات غرضه تكوينا ، فلا ملزم للعبد بها تشريعا.
وإن فرض أن المولى كان يتحفظ على المقدمات المفوتة لغرضه التكويني ، وكان يأتي بها ، حينئذ ، لا بدّ أن نفتّش عن نكتة هذا التحفظ عند المولى الذي هو غير مسألة حكم العقل بوجوب الامتثال ، لكي تكون تلك النكتة هي ملاك حكم المولى نفسه بوجوب المقدمات المفوتة وملاك حكمه على العبد أيضا.
وقد أشرنا سابقا ، أن ثلاثة من الأجوبة الخمسة التي قبلنا أن تدخل في منهج البحث ، هذه الثلاثة مرجعها إلى شيء يمس النكتة ، وإن القدر المشترك بينها ، مرجعها إلى أن القيد المتأخر من قيود الترتب ، لا الاتصاف.
وهذا معناه أن الاتصاف بالملاك فعليّ قبل القيد ، وأن الإرادة فعلية قبل القيد ، وحينئذ ، يكون هذا علاجا لنكتة المشكلة ، لأنه بذلك فرضت فعليّة الإرادة من أول الأمر ، فتكون هذه الإرادة الفعلية هي المحركة للمولى نحو حفظ المقدمات المفوتة.
لكن قلنا سابقا أن هذا الجواب لا يفي بتفسير الواقع ، لأنه لا يمكن الالتزام بأن القيد المتأخر في جميع موارد المقدمات المفوتة ، يكون قيد ترتب