أنيطت هذه الإرادة بلحاظه ، إذن فإرادة شرب الماء موجودة الآن قبل العطش ، لكنها منوطة بلحاظ العطش ، وفاعليتها أيضا تامة لأنّ فعليتها تامة ، ففاعليتها من سائر الجهات تامة ، إلّا من ناحية العطش فإنها لا تحرّك نحو أن يعطّش الإنسان نفسه ، لأن هذا القصور من النتائج التكوينية لإناطة الإرادة بالعطش ، فكلّما أنيطت هذه الإرادة بلحاظ شيء لم تصبح الإرادة محركة نحو وجود ذلك الشيء الملحوظ ، ولو كانت فعليّة.
وهذا المسلك ، لو صحّ ، فهو أيضا يعالج النكتة ، ويمس روح البحث ، لأنه يقتضي أن تكون إرادة شرب الماء موجودة بالفعل قبل العطش ، وفاعليتها أيضا تامة من غير ناحية التعطيش.
إذن فهذه الإرادة هي التي تحرك نحو المقدمات المفوتة ، فلو علم الإنسان أنه سوف يبتلى بالعطش ، وليس لديه ماء ، فهو حينئذ ، من الآن ينبغي أن يدّخر الماء ويحرزه ، وهذا الإدّخار يكون بمحركية إرادة شرب الماء التي هي فعليّة.
ولكن هذا المسلك غير تام أيضا ، لما بيّناه سابقا ، من أن مجرد تصور العطش لا يحدث شوقا نحو شرب الماء ، وإنما الذي يحدث شوقا نحو شرب الماء هو تحقّق القيد ، وهو العطش حقيقة وإحرازا.
إذن فهذه الأجوبة تمس روح المشكلة ، لكن بعضها لا يفي بالجواب ، وبعضها الآخر يفي لكن المبنى فيها غير صحيح.
والذي يمس روح المشكلة ، ويفي بالجواب الصحيح هو ، ما تقدّم في بحث الواجب المطلق والمشروط ، حيث قلنا هناك : إن الإرادة المشروطة تنحل إلى إرادتين ، وبانحلالها إلى إرادتين تنحلّ هذه المشكلة.
وتوضيح ذلك هو : إنّ الشخص الذي نفرض أنه سوف يبتلى بالعطش ، ويكون وقتئذ عاجزا عن شرب الماء ، تارة يفرض أن القدرة على المطلوب الاستقبالي في ذلك الظرف ، هي من قيود الاتصاف ، أي إنّها دخيلة في اتصاف