المستترة متعلقة بالجامع ، وهو أن لا يعطش عطشا لا ماء معه ، وهذه الإرادة موجودة من أول الأمر. إذن فهذه الحصة الخاصة من العطش يريد عدمها ويمكن أن نعبّر عن هذه الإرادة بإرادة الجامع بين أن لا يعطش ، أو أن يعطش ومعه ماء يشربه ، وهذا الجامع مطلوب له من أول الأمر ، لأن مزاج الإنسان ، أيّ إنسان ، سواء أكان مرتويا ، أو لم يكن مرتويا ، يتناسب مع هذا الجامع ، وهو جامع أن لا يعطش ، أو يعطش ولكن عطشا يكون معه ماء يشربه ، وتناسب مزاجه مع هذا الجامع فعليّ من أول الأمر ، إذن فإرادة الجامع فعليّة من أول الأمر.
نعم تناسب مزاجه مع شرب الماء بالخصوص ، هو فرع العطش ، إذ قبل العطش قد لا يكون مزاجه يتحمّل شرب الماء ، بل قد يكرهه بالفعل لشدة ارتوائه. فالتناسب بين مزاجه وبين الجامع فعلي من أول الأمر ، فتكون إرادته للجامع فعليّة من أول الأمر ، وإذا كانت إرادته للجامع فعليّة من أول الأمر ، إذن فهذا المكلّف من أول الأمر يريد أحد الأمرين : إمّا الجامع بين أن لا يعطش ، أو أن يعطش ويشرب الماء ، وهذا المكلّف يعلم أنه إذا لم يدّخر الماء من الآن سوف يفقد هذا الجامع بكلا فرديه ، لأنه سوف يوجد حرّ يعطّشه ، وسوف لن يكون عنده ماء ، إذن فمن الطبيعي أن تكون إرادته الفعلية المطلقة المتعلقة بالجامع بين الأمرين ، محركا له لأن يدّخر الماء لئلّا يفقد الجامع.
وبهذه الإرادة الفعليّة المطلقة المتعلقة بالجامع ، يتحرك المولى تكوينا نحو حفظ المقدمات المفوتة لشرب الماء قبل تحقق العطش ـ شرط الاتصاف ـ لأن عدم تحركه هذا ، سوف يوقعه بما ينافر ذاته ويجتنبه دائما ، إذ إنّه بحكم الفطرة هو يحب ذاته ، وينطلق منها.
وإذا اتضح الحال في الإرادة التكوينية ، يتضح الحال أيضا في الإرادة التشريعيّة ، فإن المكلّف في الإرادة التشريعيّة ، يصبح كأنه نفس المولى في الإرادة التكوينيّة ، فيتحرك نحو المقدمات المفوّتة ، فإننا لو حرّرنا هذا الإنسان ، وصيّرناه مولى من شأنه أن يأمر ويطاع ، وقد صار مطلوبه التكويني