أنها هي عينها ، غاية الأمر أنها انقلبت من التخييرية إلى التعيينيّة ، أو إنّهما إرادتان مستقلّتان إحداهما عن الأخرى بنكتة تخصّها؟. فمثلا في أول الأمر كانت إحداهما المتعلقة بالجامع ، تخييرية ، وبعد إن ابتلى المكلّف بالعطش انحصرت إرادته في الفرد الثاني من الإرادة ، فانقلب الشوق عنده من التخييري إلى التعييني ، أهكذا هي؟. أو إنّ هذه الإرادة التعيينية هي إرادة أخرى ، وليست هي الأولى ، بل هي وراء الأولى ، والأولى ليست هي التي تنقلب إلى الثانية ، بل وجد ملاك آخر للثانية؟ فإن وجدت منفصلة عن الأولى؟ :
قد يقال في المقام : إنّ الإرادة الثانية المشروطة هي إرادة أخرى مستقلة عن الأولى وليست من تطوراتها ، بدعوى أن كلّا من الإرادتين لها نكتة غير نكتة الأخرى ، فليست إحداهما امتدادا للأخرى ، فإن الإرادة المتعلقة بشرب الماء ، والحاصلة عند العطش ، هي شوق نفساني يدركها كل إنسان عند ما يعطش حتى الحيوان ، بينما تلك الأولى المتعلقة بالجامع ، فهي شوق عقلاني مبني على التبصّر والتأمّل في حفظ الحياة ، فإحداهما شوق بنكتة عقلانية ، والأخرى شوق بنكتة جسدية نفسيّة.
إلّا أن هذا الكلام غير تام ، بل كلتا الإرادتين بنكتة واحدة ، وذلك أنّ ما هو محبوب ومطلوب الكائن الحي ، على كل حال ، إنما هو الارتواء ، أو دفع ألم العطش ، وهذا الارتواء له مقدمتان يوجد بوجودهما :
أ ـ المقدمة الأولى : هي أن يحصل الارتواء بسبب أنه لم يعطش.
ب ـ المقدمة الثانية : هي أن يحصل الارتواء ، وذلك بأن يعطش ، لكن يحصل له الماء فيحصل الارتواء ، إذن ففي المقام ، مطلوب نفسي واحد ، هو الارتواء ، وفردا الجامع يعبران دائما عن مقدمتين صالحتين للتوصل إلى هذا الارتواء. إذن فالإرادة النفسية متعلّقة بذي المقدمة ، «الارتواء» ويترشح منها شوق يتعلق بما يتوقف عليه ذو المقدمة. «الارتواء» ، وما يتوقف عليه ذو المقدمة ، إنما هو أحد فردي الجامع : إمّا أن لا يعطش ، أو يعطش ويشرب الماء.