الحج ، وفي مثل ذلك لا يدخل هذا في بحث المقدمات المفوتة بالمعنى المتقدم لها ، لوضوح أن المكلّف لو لم يتعلّم قبل الاستطاعة ، وأهمل التعلم إلى حين الاستطاعة ، لا يكون عاجزا عند الاستطاعة ، بل هو قادر على الحج أيضا ، غاية الأمر أنه غير قادر على الجمع بين المحتملات ، أي الموافقة القطعيّة ، وإن كان قادرا على أصل الحج.
ومن الواضح أن المقدمات المفوتة التي تكلمنا عنها ، إنما هي سنخ مقدمات بحيث لو لم يأت المكلّف بها قبل ظرف الواجب ، «ذو المقدمة» فإنه يصبح عاجزا عنها ، أمّا هنا فهو غير عاجز ، لأن خطاب الأمر بالحج سوف يتوجه إليه حين الاستطاعة ، وحينئذ هل يكون هذا المكلف ملزما بالتعلّم قبل الاستطاعة أم لا؟.
الجواب : إنّه نعم يكون ملزما بالتعلم قبل الاستطاعة ، وذلك بعد ضمّ أمرين : أحدهما هو وجوب تحصيل الموافقة القطعية الذي يحكم به العقل ، والأمر الثاني ، هو أن التفويت بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وبضم هذين الأمرين إلى بعضهما يقال : بأن هذا المكلّف لو ترك التعلم قبل الاستطاعة ثمّ استطاع ، فهو سوف يكون مضطرا إلى ترك الموافقة القطعية ، والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية لعجزه فعلا عن الجمع بين الطرفين ، ولكن اضطراره إلى ترك الموافقة القطعية كان بسوء اختياره من أول الأمر ، فهو من الامتناع بالاختيار ، فلا يكون منافيا للاختيار ، إذن فيحكم عليه بلزوم التعلّم لئلا يصدق عليه التفويت الاختياري للموافقة القطعية.
وهذا هو الفرق بين الفرض الثاني هنا ، والفرض الثاني في الصورة السابقة ، لأن الفرض هناك لم يكن يحتاج إلى ضمّ قاعدة أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار بخلافه هنا.
ج ـ الفرض الثالث : هو أن المكلّف لو ترك التعلّم قبل الاستطاعة لم يفته شيء ، إذ يمكنه أن يتعلم بعد الاستطاعة ، أو أن يحتاط بعد الاستطاعة ، وهذا ، لا إشكال في عدم وجوب التعلّم بالنسبة إليه.