أن أحد هذين الدليلين مقيّد ، إمّا بمثل قوله : إنّ الصائم يجب عليه زائدا على اجتناب الثلاث ـ أيضا «اجتناب الارتماس في الماء» ، وإمّا بمثل قوله «إن المرأة يجب عليها قضاء صلاة الآيات» لو كانت قد فاتتها أيّام عادتها ، وهذا تعارض نشأ من العلم الخارجي ، إذن هو تعارض بالعرض.
وحينئذ يقال : إن قانون تقديم أقوى الدليلين دلالة ، على أضعف الدليلين دلالة إنما يكون في القسم الأول ، أي : عند ما يكون التعارض ذاتيا دون القسم الثاني الذي يكون التعارض فيه عرضيا.
وعند تطبيق هذه الكبرى على محل الكلام في تعارض إطلاق الهيئة مع إطلاق المادة ، نجد أن التعارض هذا بينهما إنما هو من القسم الثاني ، أي التعارض العرضي ، لأن إطلاق الهيئة ، وإطلاق المادة ، لا تعارض بينهما في أنفسهما ، وإنما نشأ التعارض بينهما من ناحية العلم الخارجي بطرو القيد على أحدهما. ومن هنا لا يمكن إعمال قوانين الجمع العرفي التي منها تقديم أقوى الظهورين على أضعفهما ، لكون التعارض بينهما بسبب الدليل الخارجي على كذب أحد الإطلاقين ، وفيه لا يقدّم الأقوى دلالة على الأضعف دلالة.
ودعوى تعطيل إعمال قانون الجمع العرفي في مثل المتعارضين بالعرض ، لا يتنافى مع ارتكازاتنا العرفية ، التي هي الأساس في قوانين الجمع العرفي ، فإن ارتكازنا العرفي يقضي بأنه إذا وجد عامّان : أحدهما أقوى من الآخر من قبيل ، «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث» ، والآخر أضعف من قبيل «الحائض لا تقضي ما فاتها من الصلاة» ، فيعمّ «صلاة الآيات» ، فلو علم من الخارج وقوع خلل في أحد هذين العامين ، فالعرف يرى أن قوة الظهور في أحدهما قرينة على توجيه القيد إلى الأضعف ظهورا.
وهذا بحث كبروي نافع في معرفة النكتة الداعية لهجر الارتكاز العرفي في أن تقديم أقوى الظهورين على أضعفهما لا يجري في موارد التعارض بالعرض ، وقد قرّبت هذه الشبهة بعدة تقريبات :