التقريب الأول : وهو محتمل (أجود التقريرات) (١) ، وظاهر تقريرات أخرى (٢) للمحقق النائيني «قده».
وحاصله ، أنه يعلم إجمالا بكذب أحد الإطلاقين في المقام. إمّا كذب إطلاق الهيئة ، وإمّا كذب إطلاق المادة ، فيكون المقام من قبيل ما إذا علم إجمالا بكذب أحد الخبرين ، فكما أنه هناك لا يعمل قانون الأقوائية ، فكذلك هنا.
وتوضيحه ، هو إنّه إذا وردت رواية تقول : «أكرم النحوي» ، ووردت رواية أخرى ، تقول : «لا تكرم فساق النحويين» ، فهنا عام وخاص ، وهنا إن فرضنا أننا لم نعلم إجمالا بكذب أحد الراويين في نقله ، فنتعبّد بكل من الكلامين ، ونحمل العام على الخاص ، فنخصّص «أكرم النحوي» ، بلا «تكرم فساق النحويين» ، وهذا هو الجمع العرفي. وأمّا إذا علمنا إجمالا أن أحد هذين الراويين قد كذب في نقله ، يعني ، إمّا زيد لم يسمع من الإمام قوله : «أكرم النحوي» ـ وإمّا عمرو ، لم يسمع من الإمام قوله : «لا تكرم فسّاق النحويين» ، في مثل ذلك ، لا نبني أن الكاذب هو ناقل العام ، لوضوح أن العلم الإجمالي بالكذب ، نسبته إليهما على حد سواء ، وكون أحدهما ناقلا للأضعف ظهورا ، لا يثبت كونه كاذبا ، بل قد يكون الأمر بالعكس. إذن فيتعامل مع هاتين الروايتين معاملة المتعارضين ، ولا يقدّم أقواهما على أضعفهما.
إذن يقاس محل الكلام بذلك فيقال : إن إطلاق المادة وإطلاق الهيئة كهاتين الروايتين ، وقد علم إجمالا بكذب أحدهما ، والعلم الإجمالي بالكذب نسبته إليهما على حد سواء ، ومجرد كون الظهور أقوى في الهيئة ، وكون ظهور الإطلاق ضعيفا في المادة ، لا يعيّن أن يكون أحدهما أولى بالكذب من الآخر.
والجواب هو : أنّ هذا التقريب مبني على الخلط بين مرحلتين : بين
__________________
(١) أجود التقريرات : الخوئي ج ١ ص ١٦٣ ـ ١٦٤.
(٢) فوائد الأصول : الكاظمي ج ١ ص ١١٩ ـ ١٢٠.