حينئذ للمكلف أن يخالف هذا دون ذاك ، وذلك بأن يترك الوضوء قبل الزوال ، ويتوضأ بعد الزوال ويزور ، إذن فهذا أمر خالف الوجوب النفسي للوضوء ، ولم يخالف الوجوب النفسي للزيارة.
ويمكن للمكلف أن يعكس المطلب ، وذلك بأن يتوضأ قبل الزوال ، ولا يزور بعد الزوال ، فيكون قد خالف الوجوب النفسي للزيارة ، ولم يخالف الوجوب النفسي للوضوء ، لأنه لا تلازم بين المخالفتين.
وفي مثل ذلك تجري أصالة البراءة وتتعارض في الطرفين ، لأن أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء قبل الزوال ، تعارض أصالة البراءة عن الوجوب النفسي للزيارة المقيّدة بالوضوء بعد الزوال.
وهذا الكلام لا يفرّق فيه بين الصورة الثانية والرابعة ، أي : إنّه لا يفرّق بين أن تكون الزيارة معلومة الوجوب في نفسها ، أو أن لا تكون معلومة الوجوب في نفسها ، فإن لم تكن معلومة الوجوب في نفسها ، حينئذ سوف يتشكل علم إجمالي بوجوب نفسي للوضوء قبل الزوال ، أو بوجوب نفسي للزيارة المقيّدة بالوضوء بعد الزوال ، وهنا ينجّز العلم الإجمالي ، لأنّ كلا من الطرفين ، مخالفته لا تستلزم مخالفة الطرف الآخر.
وكذلك الحال لو كانت الزيارة معلومة الوجوب في نفسها ، وإنما الشكّ في تقيّدها بالوضوء بعد الزوال ، فإنه أيضا ، المكلّف يعلم إجمالا بوجوب نفسي متعلّق بالوضوء قبل الزوال ، أو بوجوب نفسي ضمني متعلّق بتقيّد الزيارة بالوضوء بعد الزوال ، وكل من هذين الوجوبين لا يلزم من مخالفة أحدهما مخالفة الآخر ، فلو لم يتوضأ قبل الزوال ، وتوضأ بعد الزوال ، فقد امتثل الوجوب الضمني ، وعصى الوجوب النفسي ، ولو أنه عكس المطلب ، انعكس عليه المطلب.
فتتعارض إذن أصالة البراءة عن الوجوب النفسي مع أصالة البراءة عن الوجوب الضمني.